في الوقت الذي أعلن فيه رئيس السلطة محمود عباس وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل)، يتساءل البعض، كيف يمكن للسلطة الانفكاك الاقتصادي عن (إسرائيل)، وهل يمكنها التخلي عن أموال المقاصة التي تعتبر لُب اتفاق باريس الاقتصادي؟.
ومن المقرر أن يجلس وفد من الشؤون المدنية ووزارة المالية بالسلطة، مع وزارة المالية (الإسرائيلية) الأسبوع المقبل، لاستلام أموال المقاصة الشهرية، حيث يعتبر هذا اللقاء الشهري من أسس الاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل).
ويبدو أن تخلي السلطة عن الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع (إسرائيل) محضٍ من الخيال، فلا يمكن للسلطة الاستغناء ولو لشهر واحد عن أموال المقاصة الشريان الرئيسي لميزانيتها.
وبعيدا عن أموال المقاصة، يستغرب مراقبون من اعلان عباس عن إيقاف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل)، في وقت يتحكم فيه الاحتلال في مفاصل السلطة وحركة المعابر بالكامل.
** شبه مستحيل
الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي البروفيسور نور أبو الرب أكد أن الانفكاك الاقتصادي عن (إسرائيل) ليست بالسهولة التي يتخيلها البعض، "فإسرائيل هي المسيطرة على الموارد والثروات والمعابر".
وقال أبو الرب في حديث لـ "الرسالة نت": "استطاعت إسرائيل تكبيل السلطة بالاتفاقيات، حتى أن المناطق التي تسيطر عليها السلطة متقطعة وعبارة عن كانتونات، وبالتالي أي تحرك للفلسطينيين يمر عبر الحواجز الإسرائيلية".
ويرى بأن اتفاقية باريس الاقتصادية التي جاءت كملحق لاتفاقية "أوسلو"، جعلت من الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال بالمهمة شبه المستحيلة، "ولابد من مرور السلطة بعدة خطوات ولسنوات طويلة لتقوَى على الانفكاك".
وأشار أبو الرب إلى أن هناك خطوات كبيرة وجريئة يجب على السلطة اتخاذها للوصول إلى الانفكاك، موضحا أنها لا تملُك أيا من مقومات الانفكاك الاقتصادي، والتي يعتبر الاقتصاد القوي أحد أهم أركانها.
ودعا السلطة لضرورة البدء فورا بخطوات عملية وعلى مدار سنوات، وصولا للانفكاك الاقتصادي الحقيقي والقوي.
وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الاقتصادي القائم من تدهور وتبعية وتراجع، هو نتيجة طبيعية لاتفاقية باريس الاقتصادية وعمل الاحتلال للسيطرة الكاملة على المعابر الفلسطينية والتحكم بكل جزئياته.
وفي الوقت الذي يطالب فيه عباس بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، يفتقر الفلسطينيين لعملة وطنية، وتعتبر عملة الشيكل (الإسرائيلية) الرئيسية في الأراضي الفلسطينية.
ووفقا لبيانات سلطة النقد الفلسطينية، فإن (إسرائيل) تضخ سنويا ما يزيد عن 25 مليار شيكل (7 مليار دولار) في الاقتصاد الفلسطيني، وبذلك يستفيد الاحتلال من وجود سوق إضافي خارج حدودها يمكنها من استخدام أدوات السياسة النقدية بمرونة عالية.
ويعاني الاقتصاد الفلسطيني من مشكلات تتعلق بسيطرة (إسرائيل) وتكبيل يد الفلسطينيين باتفاقات، وزاد التدهور مع الخلاف حول العوائد الضريبية الفلسطينية.
ويذكر أنها ليست المرة الأولى التي تُطلق فيها السلطة نداءات وقف التعامل بالاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل)، إلا أن الواقع يقول عكس التصريحات تماما.
وتشير المعطيات على الأرض أن الاقتصاد الفلسطيني بكافة قطاعاته، سيبقى داخل عباءة نظيره (الإسرائيلي)، نتيجة سنوات من الارتباط الجمركي والضريبي والنقدي.