حزنت كغيري من الذين تعرفوا أو عرفوا أو عايشوا الدكتور الوزير السابق في الحكومة الفلسطينية عام 2011 ومسؤول العمل الخيري في قطاع غزة الدكتور أحمد الكرد الذي اكرمته غزة في أرضها وفلسطين في ترابها ، وفي لبنان نفذت المؤسسات الشبابية وبالتعاون مع جمعيات خيرية فلسطينية نشاطات خيرية وانسانية ومعايدات ومسابقات حمل عنوانها اسم وصورة المرحوم الدكتور ألكرد وفاء لما قدم من سنوات طويلة في العمل من أجل الفقراء والمحتاجين والجرحى واليتامى وغيرهم الكثير ولعل الذي لا يعرفه يسأل من هو المرحوم هذا ولماذا أهل لبنان يكرمونه ؟
الجواب على هذا يعرفه كل فرد عمل في العمل الخيري من أجل فلسطين أو كان متابعاً للاعمال الخيرية في غزة هاشم ،حيث كان الدكتور رمزاً من رموزها وعلماً من أعلامها ومضحياً متفانياً لعمله الانساني والخيري و حيث الحصار الدائم منذ سنوات عديدة على القطاع .
نصف ساعة في الباص تعرفت فيها على نهج من نهج الصالحين
وصلت الى قطاع غزة مع وفد هو الأكبر والأكثر تنوعاً عام 2011 في حملة شدوا الرحال نحو القدس والتي جمعت فيها ما يقارب الاربعين دولة اسلامية وعربية وكنت أنا ضمن وفد لبنان الذي ترأسته الأخت الفاضلة أم عمر المصري حينها .
بعد عدة أيام من الجولات والزيارات للجامعات والمجالس الوطنية والوزارات ، حان موعد زيارة الأراضي الزراعية في المحررات حيث سيقام فطور صباحي للوفد هنالك ، ركبنا الباص كل في مكانه ، وأنا جلست في الوسط على مقعد مطل للبحر حيث أن الطريق كلها ساحلية شاطئية ،
لحظات وانطلق الباص وسمعت أحد الركاب الواقفين وهو يحمل مكبر للصوت بيده يقول بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .......حتى وسوء المنقلب في المال والأهل ، ثم مضى يقول ارحب بكم في أرض الرباط وأرض الجهاد غزة وبدأ بالتعريف بالمناطق التي مررنا بها هنا البحر، هنا النخل، هنا الزرع، هذا الرمل، وصوت جهوري يحمل في نبرته الإنتماء والتمكين .
وصلنا منتصف الطريق الى المحررات جنوب غزة وهنالك تعب المعرف وحامل المكبر فجلس على درج الباص حتى لا يزعج أحداً من اعضاء الوفد الذي كان منبهراً بما يقدم هذا الرجل ، سمعنا صوت أحد المرافقين لنا من شباب غزة ينادي... يا سعادة الوزير ... ارجوك ... إجلس مكاني تعال أرجوك ...... لم نسمع أية إجابة من أحد ... صمت خيم علينا والنظرات تجول ... حيث إنه كان معنا في الوفد نواب سابقون وحسب ظني وزراء من السودان أيضاً ،التفت الجميع ! لمن ينادي هذا الشاب ؟.. أهنالك وزير في الخارج ينتظر ؟ أم وزير في الباص مستتر ؟.. ونظرنا الى الخارج فلم نشاهد سيارات سوداء ولا حمراء ولا مرافقين على جنبات الطريق ! .. اندهش الجميع ! من الوزير إذا لمن ينادي هذا الشاب ؟ نظر الجموع ببعضهم لعل فيهم وزيراً مقصوداَ بالنداء أو لعل أحدنا يلقب بالوزير .... وبعد لحظات عم التكبير داخل الباص الله أكبر ولله الحمد ........ وعمت التهاليل والهتافات ... يا ترى لماذا ؟ ثم توقف الباص فجأة ..... وهنا أدركت لمن كان النداء ، فالوزير المنادى عليه هو صاحب المكبر وهو صاحب المنبر في الباص وهو الذي تعب فجلس على الحديد الساخن من حرارة الطريق ، و على درج الباص الذي يهتز شمالاً ويميناً في تحركه لأننا نسير على أرض ترابية غير معبدة في منطقة المحررات حيث أنها اراض زراعية ...... لم يتوقف التكبير ولا العناق والمصافحة الا بعد دقائق طويلة كانت هي الأسعد في رحلة الباص ، تعرفنا خلالها على الوزير الدكتور ا أحمد الكرد ، الوزير الانسان المتواضع الشامخ المبتسم البشوش، والعجيب في الأمر وبعد الحاح شديد من رئاسة الوفد ومطالبته ورجائه للوزير رفض الوزير الجلوس على مقعد اي شخص اخر أو بقربه وبقي واقفاً على قدميه حتى وصلنا المكان وقد اتملأت القلوب في حبه وحسن خلقه وعزة نفسه
، ومن تواضعه أيضا أنه كان يطعمنا بيده الثمار ويقول كلوا أحبتي فهذه فلسطين وهذه ثمارها من شجرها المحرر من سيطرة الاحتلال عليه وهذا بئر ماء محرر طهر بتحريره منهم ، اشربوا اعزتي وبإذن الله سنشرب معكم من كامل تراب فلسطين وسنأكل معكم من ثمار يافا وعكا وصفد ومن كل المدن والقرى الفلسطينية .
نصف ساعة في الباص وساعة في المحررات تعرفت فيها على نهج من نهج السلف والصالحين الذين يحملون الإسلام نهجاً وعقيدة تعرفت على وزير كبير في عطائه مجتهد في عمله أحب الله فأحبه الله والناس ، نصف ساعة ما زالت عقاربها تمشي وما توقفت منذ أكثر من 9 سنوات , ولعلنا تعلمنا منك سعادة الوزير حياة عملية من حياة الصالحين الاتقياء ، نسأل الله أن يكون عملك هذا وحبك لفلسطين وللفقراء باباً لك من أبواب الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين .