انتصارات حكومة الوفاق الليبية المتتالية والمتواصلة وتمكنها من بسط سيطرتها على مناطق الغرب بوتيرة عالية تثير القلق الصهيوني بشكل كبير بسبب تداعياتها الجيوسياسية والجيوإستراتيجية المحتملة؛ والتي قد تؤثر بشكل سلبي وكارثي على البيئة الإقليمية للكيان الصهيوني وأمنه.
تحول مسار المعركة بشكل واضح وجلي لصالح الحكومة الشرعية في طرابلس قد يمثل، في نظر الصهاينة، بداية النهاية للواقع الإقليمي الذي تكرس بعد الثورات المضادة وخدم مصالحهم بشكل مثالي وعزز من قدرتهم على مواجهة الكثير من التحديات، دون أن يستثمروا في سبيل ذلك الكثير من مواردهم الذاتية.
فقد سبق أن حذر مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني من أن تغيير الواقع في ليبيا لصالح حكومة الوفاق قد يؤثر على الواقع في مصر تحديدا، وقد ينذر بإحداث تحول على بيئة النظام السياسي بشكل يفاقم المخاطر التي يتعرض لها النظام المصري المرتبط بشراكة استراتيجية مع الكيان الصهيوني، حسب ما يقوله مركز الأبحاث.
وتنطلق محافل التقدير الاستراتيجي في (تل أبيب) من افتراض مفاده أن حدوث أي تحول على الواقع السياسي قد يفضي إلى انفراط عقد البيئة الإقليمية التي تكرست بعد صعود الثورة المضادة، وهي البيئة التي خدمت الكيان الصهيوني.
في الوقت ذاته، فإن انتصارات حكومة الوفاق في حال تلاها تحول على البيئة السياسية في المنطقة المحيطة سيولد تحديا استراتيجيا هائلا للكيان الصهيوني، على اعتبار أن التحولات تمثل وصفة لتعزيز مكانة المقاومة الفلسطينية، تحديدا في غزة في معادلة الصراع مع هذا الكيان.
فقد سبق للمخابرات الصهيونية أن زعمت أن الكثير من السلاح الذي حازت عليه المقاومة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي مصدره ليبيا، إلى جانب أن حدوث انقلاب على الواقع الإقليمي يعني تحسين المكانة السياسية للمقاومة ويقوي من الفضاء الإقليمي الذي تستند إليه ويسمح لها بهامش مناورة كبير، بحيث لا تكون مرتبطة فقط بالمحور الذي تقوده إيران.
لكن أكبر خطر يواجه (إسرائيل) في أعقاب انتصارات حكومة الوفاق يتمثل في أنها تفتح الطريق أمام تطبيق اتفاق ترسيم المياه الاقتصادية مع تركيا، على اعتبار أن هذا الاتفاق سيمنح تركيا الفرصة للسيطرة على المياه الاقتصادية التي يفترض أن يمر فيها الأنبوب الذي سينقل الغاز الذي ينهبه الصهاينة إلى أوروبا، مما يعني أن قدرة (إسرائيل) على تسويق هذا الغاز ستكون خاضعة تماما للإرادة التركية.
وهذا يعني توسيع هامش المناورة أمام أنقرة ويمنحها القدرة على ممارسة الضغوط على الكيان الصهيوني، بحيث يمكن أن تربط بين السماح بتصدير الغاز بملفات حساسة أخرى، سيما تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
من هنا لم يكن مفاجئا أن تتعالى الأصوات في (إسرائيل) لإسقاط حكومة الوفاق بعد أن وقعت تركيا وليبيا على اتفاق ترسيم المياه الاقتصادية على اعتبار أن سقوطها يعني سقوط الاتفاق الذي يضع تصدير الغاز الذي ينهبه الصهاينة تحت رحمة الأتراك.
ولم يكن من سبيل المصادفة أن تكشف صحيفة "معاريف" عن أن جهاز الموساد قد دشن قناة اتصال مع خليفة حفتر، أي أن (إسرائيل) عمدت بالفعل إلى محاولة المس بحكومة الوفاق.