تعيش سلطة حركة فتح أزمة مالية جديدة نتيجة قرارها بوقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الاحتلال بما فيها نظام المقاصة الذي تجبي بموجبه (إسرائيل) الضرائب للسلطة عبر المعابر، إلا أن نوايا السلطة تشير إلى اتجاهها نحو تخفيف أزمتها الحالية على حساب غزة.
ووفقا لما جاء على لسان وزير الشؤون المدنية بالسلطة حسين الشيخ فإن السلطة ستخفض مبلغ الـ 105 ملايين دولار الذي ترسله إلى قطاع غزة كل شهر على شكل رواتب وتغطية رسوم المرافق والنفقات الطبية.
وكعادتها ترى السلطة في غزة "الحيطة الواطية" التي تعتليها للخروج من كل مأزق سياسي أو مالي، وهذا ما تكرر على مدار السنوات الماضية، وتحت مظلة الانقسام السياسي الحاصل بين الضفة وغزة.
كما يبدو أن السلطة تريد الضغط على الاحتلال من خلال استغلال ورقة التوتر على حدود غزة نتيجة الضغط المالي، وهذا ما يخفيه تصريح الشيخ بقوله: "أي تخفيضات من شأنها أن تقوض الاستقرار في غزة التي تسيطر عليها حركة حماس".
وفي تفصيل التصريح، فإن الوقائع تشير إلى أن رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة مخفضة حتى بدون اقتطاعات أو أزمة أموال مقاصة، فهناك من يتلقى نسبة 50% من الراتب وأفضل الموظفين يتلقى 75% من الراتب، فضلا عن قطع رواتب مئات الموظفين والأسرى وأهالي الشهداء.
أما بالنسبة للنفقات التشغيلية والتمويل، فغزة لا يصلها إلا الفتات منذ عام 2007، وفي إطار ضيق جدا، وبضغوط من المانحين خصوصا الاتحاد الأوروبي الذي يدعم قطاعي الصحة والتعليم، وخير دليل على ذلك ما جرى منذ بداية جائحة كورونا حيث لم تصل المساعدات الدولية التي وصلت السلطة إلى قطاع غزة.
وتجدر الإشارة إلى أن قطاع غزة يساهم بشكل كبير في أموال المقاصة التي تتلقاها السلطة نهاية كل شهر، ووفق احصائيات رسمية فإن السلطة تحصّل من غزة عبر أموال المقاصة قرابة 960 مليون دولار سنويا، أي قرابة 80 مليون دولار شهريا، وبالتالي ما تصرفه السلطة على غزة عبر رواتب موظفيها تأخذه من مقاصة غزة.
والمشكلة أن أزمة المقاصة تُحدثها السلطة باستمرار في محاولة للضغط على (إسرائيل)، ولكن سُرعان ما تتراجع السلطة وتستلم الأموال دون احداث أي ضغط يذكر، بعد أن تنكشف السلطة مع أول شهر تحدث فيه أزمة بأموال المقاصة، وهذا يعكس أنه لا تخطيط للقرارات وعمل بالحُسبان لأي طارئ.
وفي التعقيب على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقاد، إن السلطة تريد تدفيع غزة ثمن موقفها الشكلي من خطة الضم، وهو ليس الموقف الحقيقي الذي يؤمن بالتفاوض والتنسيق الأمني كحل للقضية، وهذا ما تعرفه (إسرائيل) جيدا لذلك لا تهتم كثيرا بموقف السلطة.
وأضاف العقاد في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن كل إجراءات السلطة اتجاه غزة تأتي في سياق محاربتها لمسلك المقاومة الذي تتبناه وتحسب له (إسرائيل) الحسابات، وبالتالي فإنها تحمل غزة المسؤولية من خلال عقوبات مستمرة منذ سنوات، إذ أن تخفيض فاتورة الرواتب والميزانيات ليست وليدة اللحظة.
وأشار إلى أن السلطة لا تزال تتهرب من الخيارات المجدية والتي تتلخص في عقد لقاء وطني تحت مظلة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، أو فتح باب المواجهة المفتوحة بين الشارع الفلسطيني والمحتل للرد على خطة الضم، بدلا من العبث في أوراق وقضايا جانبية بعيدة عن صلب الحدث الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية في هذا التوقيت.
ويشار إلى أن سلطة حركة فتح قررت تعليق العمل بكل الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي كرد على نية الاحتلال ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، بينما لا تشير الأحداث على أرض الواقع بوجود تغير ملموس في طبيعة العلاقة بين السلطة والاحتلال، وذلك ما تؤكده تصريحات مسؤولي السلطة الذي لا يزالون يتمسكون بالتنسيق الأمني وخيار المفاوضات.