في الوقت الضائع تبدأ حركة فتح والسلطة الفلسطينية التصدي لمخطط فرض السيادة على أجزاء الضفة الغربية والأغوار عبر محاولات تحريك الشارع الذي أنهكته خلال السنوات الماضية.
دعوات وجهت لأبناء الشعب الفلسطيني من حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، ومؤسسات المجتمع المدني، لمواجهة خطط )إسرائيل(، انطلقت من محافظات الضفة الاثنين الماضي نحو الاغوار.
لم يكن مفاجئاً ضعف المشاركة وامتناع أجزاء واسعة من الشعب عن تلبية الدعوات، التي يرى فيها الفلسطينيون في الضفة انها تأتي لذر الرماد في العيون والتغطية على حجم التخاذل والمواقف الباردة تجاه الاحتلال الذي أظهرته فتح والسلطة منذ بدء الإعلان عن صفقة القرن وتطبيق بنودها.
السلطة لم تغير من سياستها تجاه الاحتلال لخوض مواجهة حقيقية معه ما جعل هذه الدعوات لا تلقى آذانا صاغية.
وفي الوقت الذي تقول السلطة أنها قطعت علاقاتها مع الاحتلال بما فيها وقف التنسيق الأمني، يخرج قادة التنسيق في الجانب الفلسطيني ويعلنون صراحة أن التنسيق سيستمر وحتى وقفه الحالي لا يعني الاضرار بأمن المحتل أو السماح بأي اعمال مقاومة ضده، وهي تصريحات تنسف ما تدعيه السلطة من خطط المواجهة والتحدي ضد الاحتلال.
فقد شكل السلوك السابق والحالي على الأرض بأن السلطة لم تتخل يوماً عن التعاون الأمني مع الاحتلال والذي يشكل الرابط الأقوى والأعمق معها منذ اتفاق أوسلو 1993، حيث تشكل فيه أجهزتها الأمنية مع الاحتلال غرفة عمليات مشتركة للتصدي للمقاومة، ما أثمر بالفعل عن خفض كبير في عمليات المقاومة، واعتقال وقتل مقاومين كثر.
وفي الوقت الذي تتحدث فتح عن رفع وتيرة النضال ضد الضم، تشكل الحراكات الشعبية التي تدعو لها الحركة امتحانا لزعامة المنظمة التي تخلت عن المقاومة بشقيها الشعبي والمسلح منذ انخراطها في عملية التسوية.
ويبدو أن الامتحان الأول الذي جرى خلال الأسبوع الجاري يضع معضلة حقيقية أمامها حيث فشلت الحركة في حشد جماهيري واسع، ما يعكس حجم الإحباط الشعبي الذي تكدس نتيجة سنوات من سياسات قمع المقاومة الشعبية والحراكات والحريات.
من ناحية أخرى فإن فشل اختبار الحركة في مدى التأثير على الشارع في الضفة يوضح الفجوة وعدم ثقة الجمهور في توجه الحركة نحو المقاومة الشعبية، فقد أدرك الشارع أن الحركة لم تنتهج تغييرا حقيقيا في سياستها تجاه المحتل وانما تحاول تحسين صورتها وإظهار نفسها على أنها ما زالت تتزعم الجماهير.
وقد اتخذ قرار إجراء الاعتصام في نهاية الأسبوع الماضي في جلسة اللجنة المركزية لحركة “فتح” التي عقدت على خلفية الفشل الذي سجل حتى الآن في تجنيد الجمهور الفلسطيني للقيام باحتجاج جماهيري، لذلك، تعتبر “فتح” الأسبوع القادم أسبوعاً حاسماً في كل ما يتعلق بالنضال الفلسطيني ضد الضم.
نبيل أبو ردينة، وزير الإعلام والمتحدث بلسان الرئيس محمود عباس، قال إن الأيام العشرة القادمة ستكون حاسمة ودراماتيكية. وحسب قوله، فإن القيادة الفلسطينية لا تعرف إذا ما كانت (إسرائيل) والولايات المتحدة ستنفذان وعد الضم، لهذا فإن خطوات الفلسطينيين القادمة بهذا الشأن مرتبطة بالتطورات في القدس وفي واشنطن.
وقال جبريل الرجوب الذي عين كرئيس للجنة مواجهة الضم: “نحن اليوم مع النضال الشعبي، لكن إذا حدث ضم فجميع أدوات المقاومة ستتغير طالما حظيت بالدعم والإجماع. ننطلق من فرضية حدوث ضم، وإصرار نتنياهو على ذلك. سنحافظ على النضال الشعبي إلى حين الانتقال إلى المرحلة القادمة. وسنكون رأس الحربة فيه”.
وربما تحمل تصريحاته اعترافا ضمنيا بفشل مشروع حركته وأنها مجبرة على العودة للمقاومة إذا ما كانت ترغب في لجم الاحتلال، لكن الواقع على الأرض يؤكد انها ما زالت بعيدة جداً عن هذه الخطوة، وهو ما يفقدها ثقة الجمهور ويضعف أي مشاركة في فعالياتها.