سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على ما يترتب على تنفيذ خطة الاحتلال ضم أجزاء من الضفة المحتلة إلى سيادته، من تكوين نظام فصل عنصري "أبارتايد" سيبقى في صراع دائم معه.
واستدل الكاتب ميرون رابوبورت بأحداث تعود إلى 15 حزيران/يونيو 1967، حينما اجتمعت حكومة الاحتلال للمرة الثانية بعد إعلان وقف إطلاق النار.
وحينها كان مناحيم بيغن الزعيم التاريخي لحزب "حيروت" القومي، الذي أصبح لاحقا حزب الليكود، قد انضم قبل أيام من الحرب للحكومة بعدما كان منبوذا من الأحزاب الصهيونية "الاجتماعية الديمقراطية" الحاكمة للسنوات التسع عشر الأولى من وجود "إسرائيل".
وكان بيغن متحمسا للمكاسب التي حققتها "إسرائيل" من حيث الأراضي خلال الحرب، حيث احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وشبه جزيرة سيناء. وكان مصرا على السيطرة على الأراضي الواقعة غربي نهر الأردن. وقال: "بالنسبة لأرض إسرائيل الغربية، يجب علينا ألا نعيد ميليمترا واحد".
أما بالنسبة للفلسطينيين (العرب)، الذين يعيشون في هذه المناطق، فكان لبيغن اقتراح وهو أنهم مدى السبع سنوات الأولى سيكونون "مقيمين وليسوا مواطنين"، وبعد هذه المدة "سنسأل كل واحد منهم بإنسانية إن كان يرغب في أن يكون مواطنا موال للدولة أو أن يذهب إلى بلد آخر. وعلى فرض أن الأكثرية أرادوا البقاء، فإن ذلك يجب ألا يخيفنا".
وبعد (53 عامًا)، لم تطبق هذه الخطة، بينما لا يزال ملايين الفلسطينيين يعيشون تحت الحكم العسكري للاحتلال.
ولكن الضم المزمع لأجزاء من الضفة المحتلة في 1 تموز/ يوليو أخل بالوضع القائم وأصبح محفزا لحوار داخل الطبقة السياسة حول "إن كانت إسرائيل دولة تمييز عنصري "أبارتايد" أم لا"، وفق قول الكاتب.
وبعد عشر سنوات مما أشار إليه بيغن في اجتماع الحكومة تلك عام 1967 على أنه "تحرير أراضي إسرائيل"، انتخب رئيسا للوزراء، ولكنه لم يقم هو ولا حزب الليكود على مدى 43 عاما بمحاولة تطبيق تلك الرؤية، لمنح الفلسطينيين في الأراضي المحتلة الجنسية، والذي كان سيحول، نظريا على الأقل، كل فلسطين التاريخية إلى دولة واحدة ديمقراطية.
وبدلا من ذلك سعى رؤساء الوزراء المتعاقبون من الليكود، مع حلفائهم من اليمين القومي والمتدينين، نحو تشجيع توسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة منتهكين القوانين الدولية، وساعدوا على زيادة عدد المستوطنين لأكثر من 400 ألف في 2018.
ومع ذلك فشلوا في عرض برنامج أو رؤية سياسية حول ما يتصورونه للوضع النهائي للأراضي المحتلة منذ عام 1967.
وكان للمستوطنات دور أساسي في تقطيع أوصال الضفة الغربية المحتلة حيث تقوم بفصل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها البعض وذلك لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة متصلة.
ومع أن زعماء "يسار الوسط" من شيمون بيريز وإسحاق رابين وايهود باراك وحتى ايهود أولمرت حاولوا أو تظاهروا بـ"البحث عن تسوية سلمية للقضية الفلسطينية"، كان اليمين منهمكا في "إقامة واقع على الأرض للتأكد من أن أي حل كهذا سيفشل". وبعد انتخاب رئيس الوزارء بنيامين نتنياهو ثانية عام 2009، أتقن هذه "الاستراتيجية اليمينية".
فمن ناحية، أهمل نتنياهو القيادة الفلسطينية وأوقف عملية السلام تماما، ومن ناحية أخرى، استمر في تشجيع بناء المستوطنات مع رفض تقديم تصور لحل نهائي أو مقترح سياسي لإنهاء الصراع، عدا خطابه الشهير في بار إيلان عام 2009، حيث عبر عن دعمه لاعتراف مشروط بدولة فلسطينية، وهو موقف ندم عليه لاحقا.
هذه الاستراتيجية عادة ما يطلق عليها "الوضع الراهن" ولكن ذلك شكل ضما فعليا للضفة الغربية دون تحمل أعباء ضمها بحكم القانون.
وحيث يصارع الفلسطينيون على مدى أكثر من نصف قرن تحت نظام عسكري يحرمهم من أبسط حقوقهم، بينما يتمتع المستوطنون الإسرائيليون من حقوق تضمنها دولة "إسرائيل".
ويقول الكاتب: "لطالما حاجج الأشخاص المؤيدون للفلسطينيين بأن الاحتلال كان عبارة عن نظام أبارتايد فعلي".
وحيث تحاول "إسرائيل" تحويل الضم إلى قانون (فرض سيادتها على الأراضي)، أصبحت المقارنة مع نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا أمر يصعب رفضه أو تجاهله، وفقا للكاتب.
ويتساءل "لماذا يقرر نتنياهو وحلفاؤه من بين المستوطنين، وبإذعان من حزب أزرق وأبيض الذي يتزعمه بيني غانتس، والذي شكل معه نتنياهو حكومة ائتلاف، التخلي عن سياسة الضم الفعلي لصالح الضم بالقانون؟"
ويجيب "إن كثيرا من المستوطنين يشعرون بأنهم انتصروا في المعركة لمنع قيام دولة فلسطينية وأنهم الآن بحاجة للانتقال إلى المرحلة التالية".
ويضيف "يحتاج نتنياهو، الذي تتم محاكمته الآن بتهم فساد، إلى دعم المستوطنين للبقاء في السلطة، حتى لو تخلى عن مقاربته الحكيمة السابقة".
ونظرا لأن نتنياهو يجب أن يسلم رئاسة الوزراء لغانتس في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر 2021 بموجب اتفاق تقاسم السلطة مع غانتس، قد يريد نتنياهو أن يسعى إلى تقوية إرثه السياسي بالضم الرسمي والقضاء تماما على احتمال قيام دولة فلسطينية.
ويرى نتنياهو في تشرذم المعسكر العربي والفلسطيني والدعم غير المشروط من الرئيس دونالد ترامب أنها "فرصة فريدة لبسط السيادة اليهودية الاسرائيلية على كل فلسطين التاريخية".
ومهما كانت المحفزات فإن هناك شيئا أكيدا، وفقا للكاتب، وهو أن "الضم الذي يسعى إليه نتنياهو وحلفاؤه المستوطنين ليس أقل من كونه أبارتايد رسمي".
وفي مقابلة مع صحيفة "إسرائيل اليوم" في أيار/مايو جعل نتنياهو الأمور واضحة: "لن يحصل الفلسطينيون الذين يعيشون في المناطق التي يتم ضمها على الجنسية الإسرائيلية ولا حتى على إقامة دائمة، كما كان هو الحال لسكان القدس الشرقية بعد عام 1967".
وأكد نتنياهو أنه مع أن الأرض ستصبح إسرائيلية، فإن هؤلاء السكان "سيبقون من التابعية الفلسطينية"، وهذا بعيد كل البعد عن الرؤية الديمقراطية التي تصورها بيغين قبل 53 عاما.
وفي نقاشات اليمين الداخلية حول الضم لا أحد يتحدث عن منح الفلسطينيين حقوقا سياسية كاملة.
وبدلا من ذلك فإن نتنياهو والمستوطنون يحتجون بأن الفلسطينيين في المناطق المضمومة لن يمنحوا حقوق مواطنة، بينما سيعيش بقية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في جيوب ويتمتعون بحكم ذاتي محدود، مستلهمين ذلك مباشرة من نموذج البانتوستان في جنوب أفريقيا العنصرية.
وقال رئيس مجلس المستوطنات دافيد الحياني، والذي يعارض ما يسمى بـ "صفقة القرن" التي طرحها ترامب لأنها تقترح دولة فلسطينية محدودة، لصحيفة "هآرتس" في وقت سابق من هذا الشهر بأنه "يتصور أن يمنح الفلسطينيون الذين يعيشون في مناطق ج، التي تشكل 60 بالمئة من الضفة الغربية والمتوقع ضمها، إقامة ولكن ليس جنسية، كما هو الحال في القدس الشرقية".
وقال: "إن كنا نحن المسؤولين عنهم ونهتم بهم وببنيتهم التحتية فالتصويت لن يهمهم".
واقترح مستوطنون أكثر تطرفا خرائط لهذه البانتوستان أكثر تشرذما مما اقترحته الخطة الأمريكية. ونشر بيزاليل سموتريتش من حزب يمينا، اليميني المتطرف برنامجا سياسيا أطلق عليه "خطة قمع" اقترح خلاله ضم الضفة الغربية كاملة ومنح العرب حق انتخاب المجالس المحلية وليس أكثر.
ومع أن هناك فروقات كبيرة في الرأي داخل المعسكر اليميني حيث لا تزال خارطة الضم المقترحة من نتنياهو رهن الاتفاق عليها قبل أقل من أسبوع من الموعد المحدد، إلا أن جميعهم متفقون على شيء "كلهم ينادي بسيطرة إسرائيلية حصرية على الضفة الغربية مع وجود مجموعتين مختلفتين من القواعد والحقوق التي تحكم كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين".
وعلى مدى السنوات، لم يكن نتنياهو وحلفاؤه هم الوحيدون الذين يعارضون بشدة تصوير الحكم الإسرائيلي للضفة الغربية على أنه حكم أبارتايد، فحتى يسار الوسط اليهودي الإسرائيلي تجنب مثل هذا المصطلح.
وبالرغم من الوضع الدائم للاحتلال، إلا أن يسار الوسط في إسرائيل ظل يفضل اعتبار الحكم الإسرائيلي للأراضي المحتلة حالا مؤقتا، ويمكن أن ينتهي بالانفصال عن الفلسطينيين، من خلال اتفاقية سلام أو انسحاب إسرائيلي من جانب واحد.
وبالامتناع عن وصف الوضع في الضفة الغربية بأنه نظام "أبارتايد"، وهو جريمة ضد الإنسانية في القانون الدولي، سمح ليسار الوسط الإسرائيلي أن يصور الاحتلال العسكري على أنه "عبء" على كاهل إسرائيل، يجب أن ينتهي، وليس نظاما معيبا أخلاقيا منذ بدايته.
ومع ذلك فإن قرارا للذهاب إلى ضم قانوني وإيجاد "أبارتايد" بموجب القانون، اضطر اليسار الإسرائيلي إلى التخلي عن تردده في في استخدام المصطلح "أبارتايد" للإشارة إلى الاحتلال.
وخلال مظاهرة في تل أبيب في 6 حزيران/ يونيو ضد خطط الضم، أشار تقريبا كل المتحدثين اليهود إلى الضم القادم على أنه شكل من أشكال الأبارتايد.
وليس هذا مجرد مسألة صياغة. فأولا على عكس "الاحتلال" الذي قد يبدو مؤقتا وحتى قانونيا بحسب القانون الدولي، فإن "الأبارتايد" دائم ولا أخلاقي بدون نقاش.
وثانيا فإن عكس الاحتلال هو الانسحاب إلى حدود "إسرائيل القديمة" خلف الخط الأخضر لما قبل عام 1967. وعكس "الأبارتايد" حقوق متساوية لكل من يعيشون بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وسياسة الحقوق المتساوية مختلفة تماما عن سياسة معارضة الاحتلال.
وكتب الناشط الفلسطيني والمواطن الإسرائيلي، أمير فاخوري في موقع Local Call الإخباري، إنه يعتقد أن "لواء" مكافحة الأبارتايد، يمكن له أن يوحد معسكر "غير اليمينيين" المتفرق عادة وجسر الهوة بين الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، وما تبقى من اليسار اليهودي الإسرائيلي والاندماج حتى مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وربما أبعد من ذلك.
وحتى لو فشل الضم، وهناك ما يدعو للاعتقاد بأنه سيفشل، فإن هذا المفهوم الجديد للواقع الإسرائيلي الفلسطيني لن يختفي، على حد تعبير الكاتب.
عربي 21