قائمة الموقع

مقال: ( مصائب الإقرار بيهودية الدولة تستفز المقاومة، وتجعل لها الصولة والجولة )

2010-10-21T09:28:00+02:00

          د. يونس الأسطل

    (  وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً . سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً (

         (الإسراء : 76، 77)

     إنَّ تَنَصُّلَ رئيس حركة فتح من الإقرار بيهودية الدولة دفاعٌ بقرونٍ من عجين، فقد أعلنها صريحة الناطق باسم لجنته التنفيذية، وحاول أن يختبئ وراء بيت عنكبوت، فذكر أن الاعتراف بيهودية الكيان مشروط بقبول الانسحاب إلى حدود 1967م، وهو على يقين بأن المفاوضات قد تخطت هذه المرحلة، وأن الكلام اليوم عن تبادل الأراضي والأشخاص؛ بل إن تصريح عباس نفسه بأن هذا شأن داخلي، وأن الصهاينة بمقدورهم أن يذهبوا للأمم المتحدة؛ فيحصلوا على أي وصفٍ يريدونه لدولتهم، يعني أنه لا مانع عنده من أن يفوزوا بهذا الوصف بقرارٍ أممي، مهما كانت المخاطر المترتبة عليه.

     لذلك فإنه من الواجب علينا أن نرفع عقيرتنا بتلك المخاطر، وأن نجأر بأبرزها في البنود التالية:

1. إلغاء حق العودة لأكثر من ستة ملايين من اللاجئين في المنافي والمهجر، والالتفات على حقوقهم في ديارهم التي طُردوا منها بمشروع التوطين والتعويض، أو حتى بالتجنيس ونسيان بلادهم، ولو في الجيل الثاني أو الثالث.

2. حق الصهاينة في ترحيل أكثر من مليون وربع المليون فلسطيني، لا زالوا يقيمون على أراضيهم المحتلة من عام 1948م، وفكرة تبادل الأشخاص والأراضي مطروحة، ولعل قانون أو قرار المواطنة وقَسَم الولاء للدولة هو الذريعة لطردهم، فمن هو الذي يرضى أن يكون مَهْرُ بقائه في بيته مواطناً من الدرجة الثانية أو العاشرة أن يعاهد الصهاينة على الولاء لدولتهم، والإخلاص لحكومتهم، وأن يصبح خادماً أميناً، وعبداً ذليلاً لمن سرق الأرض، وانتهك العِرْض، وقتل مئات الألوف؟!!.

3. إن المرجح أن سُعار الاستيطان في الضفة الغربية، ورفض الموافقة على تجميده صورياً مدة شهر أو شهرين، يكشف عن نية الصهاينة تهويد الضفة، كما  فعلوا بالقدس، فقد طوَّقوها بالمستوطنات أولاً، ثم شرعوا في هدم البيوت، وسحب الهويات، والاعتقال  أو الطرد إلى الضفة، أو إلى الخارج، ولم يسلم قطاع غزة من اعتباره منفى لكل من يريدون التخلص منه دون اعتقالٍ أو اغتيال.

4. ولا أستبعد أن يكون قطاع غزة على القائمة فاليهود لن يهدأ لهم بال والقطاع مشحون بالبشر، ولطالما تَمَنَّوا أن يبتلعنا البحر، وقد طُرِحَ مشروع التوطين منذ الخمسينات من القرن الماضي في  صحراء سيناء، خاصة وأن حدود الشام تمتد للعريش.

5. ومن المعلوم أن عقيدة اليهود تقول: ( حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، فالتسليم بيهودية الدولة يشكل خطراً على الشام كله، وعلى شطر مصر، وينطوي على تشطير العراق كذلك، ولا أقتنع بأن أطماع الصهاينة لها حدود، فهم يتطلعون للهيمنة على الشرق الأوسط الكبير، بل إن البروتوكولات تتحدث عن الدولة العالمية لليهود، وهم لا يتورعون عن شيءٍ للوصول إلى أهدافهم الدنيئة، ولو بأعراض نسائهم الدنسة.

6. وأخشى أن يأتي يوم نجد أنفسنا فيه تحت ضغط الابتزاز لتعويض اليهود عن احتلالنا لفلسطين منذ الفتح الإسلامي في عام (15هـ) وإلى اليوم، كما يفعلون اليوم بالألمان للتعويض عن المحرقة المزعومة التي يَعُدُّون روايتهم عنها أقدس من التوراة نفسها، وإنْ وقع هذا الحدس فربما يُنْفَخُ في الصور، وتقع الواقعة، قبل أن نتمكن من تسديد أطماع اليهود، لولا يقيننا أن الاحتلال إلى زوال، وأنه يَعُدُّ سنوات الأُفُول، وِفْقَ البشائر القرآنية، وسنن الله في الأولين، وإرهاصات الواقع المحلي والدولي.

     أما آية المقال فتخبر عن قريش أنها قاربت أن تستفزَّ نبيَّنا عليه الصلاة والسلام، وتضطره للهجرة من مكة، ولكنهم عدلوا عن ذلك لجنوحهم إلى قرار الاغتيال والقتل، والعدول عن الاعتقال أو الطرد والإبعاد، ولكنهم لمّا تسببوا في الإذن له بالهجرة؛ فقد حملوا وِزْرَ إخراجه، وصَحَّ أن يُنْسَبَ لهم ذلك الفعل؛ كما في قوله تعالى:" وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ " محمد (13)

     وقد تَوَعَّدت أهل مكة أنهم لن يلبثوا بعده إلا قليلاً، وأن هذه العقوبة ليست خاصة بهم، إنما هي سنة الله في رسل الله السابقين، ولن تجد لسنة الله تحويلاً ولا تبديلا.

     ولما كانت العقوبات الربانية من جنس جرائم العباد؛ فإن الوعيد للعرب يتضمن إخراجهم كما أخرجوه، وإنزال القتل بهم كما بَيَّتُوه، ومن هنا فقد استدرجهم ربُّهم جل وعلا إلى ساحة بدر، دون أيِّ إعدادٍ من جهتنا لمجابهتهم؛ لتكون النكاية بهم أشدَّ إيلاماً، فقد بَرَزَ الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، وكانوا سبعين من الملأ منهم، ومِثْلُهم معهم من الأسرى، وكان حَقُّهم أن يُقْتلوا؛ لولا كتاب من الله سبق، فما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، وقد كان تهييجهم للقتال إخراجاً لهم، كما كان نصرنا عليهم وأنتم أذلة عقوبة أخرى؛ تحقيقاً لسُنة الله الماضية في الغابرين.

     إن هذه السُّنة هي التي أخذ الله جل جلاله بها فرعون وجنوده من قبل، بشهادة سورة الإسراء نفسها في قوله تعالى: "فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً" الإسراء(103)

 

     ويسترعي الانتباه هنا أن الاستفزاز من الأرض غير مقيد بهدف الإخراج منها، كما في آية المقال، والمراد به القتل والإبادة؛ فإن سيدنا موسى قد أسرى بهم ليلاً خارجاً من مصر، متوجهاً تلقاء فلسطين، غير أن فرعون قد أرسل في المدائن حاشرين؛ ليتمَّ القبض عليهم، واستفزازهم من الأرض بالقتل، لذلك فقد خرج بنفسه على رأس المطارِدين، وتمكن من حصارهم بين جنوده والبحر، فقال أصحاب موسى: إنا لَمُدْرَكُون، فأجابهم: كلَّا إن معي ربي سيهدين، فأوحى إليه أن اضرب بعصاك البحر، فانفلق، فكان كل فِرْقٍ كالطود العظيم، وفي اللحظة التي عَبَرَ فيها سيدنا موسى ببني إسرائيل إلى  العدوة القصوى من البحر كان فرعون في منتصف الطريق، فأعاد الله جل وعلا البحر سيرته الأولى، فكانوا من المغرقين، ومن المقبوحين؛ كأن لم يَغْنَوْا فيها، ألا بُعْداً لليهود كما بَعِدَ فرعون، وبَعِدَتْ ثمود.

     إن هذه السنة هي التي أخذت كلَّ أمةٍ هَمَّتْ برسولهم ليأخذوه، أو ليخرجوه؛ فإن قوم لوط لما قالوا: ( أخرجوا آل لوط من قريتكم؛ إنهم أناس يتطهرون)، كانوا من المهلكين، وإن قوم شعيب حين قال الملأ الذين استكبروا منهم: ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا، أو لتعودن في ملتنا)، كان جزاؤهم الرجفة أو الصيحة التي أصبحوا معها في ديارهم جاثمين، وقد قال ربنا عز وجل في إخباره عن إخراج رسله من أرضهم، ووعده بإهلاك الظالمين: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ" إبراهيم (13، 14)

     وقد يظن بعض الناس أن الإخراج من الديار أهون من القتل، والصحيح أنهما جريمتان متماثلتان؛ بدليل قوله تعالى:" وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ.." النساء (66)

     فإن التخيير بين أمرين يوحي بتساويهما، وقد خَيَّرَ المنافقين المذكورين في السياق بين القتل أو الخروج من الديار، فدلَّ على تساويهما.

     إننا جّدُّ مستبشرين أن فكرة يهودية الدولة هي التي ستقضي عليها؛ فإن التكليف قائم أن تُخْرِجُوا أعداءكم من حيثُ أخرجوكم،  فإذا قمنا لهذا الواجب أعاننا الله عليه، فَتَحِيقُ بذلك على اليهود سُنَّتُهُ في الأولين، كما أن الذين تُهْدَمُ بيوتهم، أو يُطردون منها؛ يصبحون أكثر تطلعاً واستعداداً لدعم المقاومة للثأر أولاً، ثم لاجتثاث الاحتلال ثانياً، ويتمخض عن ذلك أن يأذنوا لأبنائهم، أو أن يدفعوا شبابهم للانخراط في المقاومة، وكان أكثرهم من قبل يأبى أن يضحي ببنيه، ولا يرتاح أن يراهم جرحى أو شهداء، وعندما يكون أكثر الناس متطلعين إلى الخلاص والقصاص، مصفقين لأيِّ إنجاز تحققه المقاومة، نكون قد وَصَلْنا إلى المرحلة التي نستحق معها التمكين، وعندها يهلك الله عدوكم، ويستخلفكم في الأرض، فينظر كيف تعملون، فإن الأرض لله، يورثها مَنْ يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، وقد كتب في الزَّبور من بعد الذكر أن أرض فلسطين يرثها عبادي الصالحون.

    

     ومن أصدق من الله حديثاً؟!!

اخبار ذات صلة