أنقرة- وكالات- الرسالة نت
يحكم تركيا ثلاثي بات أشهر من التعريف به: الرئيس عبد الله غول، ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو.
يحلو للبعض اعتبار أنّ هذا الثلاثي هو «ظاهرة» نظراً لاتفاق أفراده وتناغمهم وإنجازاتهم. وإذا كانوا فعلاً كذلك، فلا بد من الكلام على «ظاهرة» أخرى تلازمهم كظلهم؛ زوجاتهم. ثلاثي نسائي يشترك أفراده في خصائص عديدة، أبرزها حجابهنّ الإسلامي، ونشاطهنّ اللافت، والتزامهنّ قضايا اجتماعية وإنسانية تجعل منهنّ ناشطات سياسيات أساسيات في مسيرة أزواجهنّ.
جميعهنّ فهمنَ قوانين اللعبة السياسية الداخلية ومحاذيرها، وأردنَ تغيير الصورة النمطية المحافظة للمرأة التركية، فتجنّبنَ العمل السياسي المباشر لحماية أزواجهنّ، وتخصّصنَ بالنشاط الاجتماعي والإنساني.
خير النساء غول وأمينة أردوغان وسارة داوود أوغلو، 3 أسماء نسائية تتصدّر عناوين الصحف التركية والعالمية في كل مرة يهزّ تركيا حدث يرتبط من قريب أو بعيد بالحريات الدينية.
نساء لا يزلن كوابيس عند أرثوذكسيي العلمانية التركية، حُوربنَ ولا يزلنَ، لكنهنّ بتنَ في تركيا مثالاً لـ «المناضلات» العنيدات لمجرد أنهنّ فرضنَ أنفسهنّ نماذجَ بالنسبة إلى طيف واسع من النساء التركيات من نواحي دمج الالتزام الديني مع الانفتاح على النشاط الاجتماعي والمهني.
خير النساء
رغم أنها الأقل ظهوراً اليوم، تبقى خير النساء غول نجمة الثلاثي النسائي لسبب موضوعي؛ فهي أول «سيدة أولى» محجبة تدخل إلى قصر شنقايا لتثير جنون علمانيي تركيا، ورثة مصطفى كمال الذين لا يزالون ينكرون أن زوجة أتاتورك، لطيفة هانم (لم يدم زواجهما طويلاً)، كانت ترتدي الحجاب الإسلامي في بعض الأحيان مراعاةً لمناسبات معيّنة.
و"منذ سنوات دراستها الثانوية في إسطنبول، قال لها أستاذها إنها فتاة مكتوب لها أن تصبح قائدة"، بحسب ما كتبته عنها صحيفة "ملييت".
تزوجت في يوم عيد ميلادها الخامس عشر في 11 أيلول عام 1980. وبدأت نكساتها الزوجية في اليوم التالي عندما سُجن زوجها، عبد الله، المناضل الإسلامي، اثر انقلاب 12 أيلول الشهير.
انتهت مرحلتها الدراسية باكراً وقسراً، قبل أن تعود لتحصيل علومها بالمراسَلة، إلى أن سنحت الفرصة أمامها لتقدم امتحاناتها بمرافقة زوجها وتنجح في إنهاء المرحلة الثانوية بعد 17 عاماً من إجبارها على ترك مقاعد المدرسة.
ولم تكن مرحلة تعليمها الجامعي أسهل، فقد تمكنت من تعلُّم بعض اللغة والأدب العربيّين في السعودية. أما في أنقرة، فقد رُفض طلب تسجيلها في الجامعة لأنها محجبة.
وبدا أنّ خير النساء تعبت كثيراً في صباها، فارتأت الاستراحة في مرحلة الحياة الرئاسية، على الأرجح لإراحة زوجها من ألسنة المعارضة وأقلامها.
ورغم بقائها بعيدة عن الأضواء داخل بلادها، إلا أنها لا تزال أشهر امرأة تركية؛ لأنها عبّدت الطريق لباقي المحجبات للدخول والعيش يوماً في قصر الرئاسة.
ورغم ابتعادها عن الأضواء، إلا أنها لم تسلم من الحملات المنظَّمة، حيناً بـ«اتهامها» أن أصولها أرمنية، وأحياناً بالإضاءة على كيف طلبت من مصمِّم أزياء نمساوي شهير تصميم المناديل الباهظة الثمن، أو عندما كُتبت تقارير طويلة عن الخاتم الذي تلبسه، ومصمّمه أرمني!
أمينة أردوغان
على غرار خير النساء غول، فإنّ زوجة الرئيس الـ27 للحكومة التركية تركت المدرسة قبل أن تتخرج من المرحلة الثانوية. ورغم ذلك، فإنّ نفوذها في أوساط «نساء الأعمال» الأتراك كبير، واستطاعت من خلال هذا النفوذ أن تجمع 2.3 مليون دولار منهنّ بحفل غداء واحد لمساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية في باكستان.
هناك أمضت يومين برفقة وزراء ونواب بارزين وابنتها سميّة.
زارت أمينة المستشفيات والمدارس التركية والمنازل الجاهزة في المناطق المنكوبة في باكستان، والتقت الرئيس آصف علي زرداري ورئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، وذلك قبل توجّه زوجها رئيس الحكومة إلى إسلام آباد.
ويبدو أنّ الزيارات الخارجية تستهوي أمينة أردوغان، التي لا ترافق زوجها فحسب، بل تتوجه أحياناً بسفرات رسمية من دونه، وتلقي كلمات في مناسبات رفيعة المستوى. هكذا تمكنت، بحجابها، من اجتذاب الإعلام الغربي قبل شهر في بروكسل، حين ترأست الوفد التركي لتلقي كلمة «دور المرأة التركية في المسار الأوروبي لتركيا».
كذلك سبق للسيدة أردوغان أن ترأست قمة في إسطنبول، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، بمشاركة ملكة الأردن رانيا، والشيخة موزة زوجة أمير دولة قطر، وأسماء بشار الأسد، وعائشة القذافي (ابنة الزعيم الليبي) وزوجة الرئيس اللبناني وفاء سليمان.
سارة داوود أوغلو
بعكس خير النساء وأمينة، فإنّ سارة داوود أوغلو أكملت تعليمها وتخصُّصها كاملَين، فهي طبيبة نسائية لا تزال تمارس عملها في عيادتها في إسطنبول يوماً واحداً في الأسبوع، بعدما كانت تداوم دواماً كاملاً هناك، إلا أنها اضطرت لتغيير جدول أعمالها منذ انتقلت للعيش في أنقرة بعدما عُيِّن زوجها وزيراً للخارجية في أيار 2009.
وتصرّ سارة على ملاءمة عملها طبيبةً مع وضعها كزوجة لأبرز وزير للخارجية في العالم حالياً، فتطرأ تغييرات على مواعيدها عندما تضطر إلى مرافقة زوجها في أسفاره الخارجية الكثيرة، علماً بأنها تستفيد أحياناً من هذه الأسفار لتشارك في محاضرات وندوات عالمية عن الطب النسائي.
ولكثرة انشغالات سارة داوود أوغلو، اضطرت الصحافية في «يني شفق»، عالمة الاجتماع، فاطمة بربرس أوغلو، لإجراء 3 رحلات بين أنقرة وإسطنبول لإتمام مقابلة معها، وخصوصاً أنّ سارة تشغل أيضاً منصب رئيسة الشرف لجمعية زوجات وزراء الخارجية (في العالم).
وشأنها شأن خير النساء وأمينة، تدرك سارة حساسية الظروف الداخلية لزوجها المعرَّض لحملات المعارضة، لذلك تتحاشى العمل السياسي في تركيا، وتحصر نشاطها الداخلي في مجال منظمات المجتمع المدني، مستفيدةً من مهنتها كطبيبة، بينما تحصر نشاطها الاجتماعي والإنساني في الخارج. وبرز اسمها أخيراً مع فيضانات باكستان التي شرّدت وقتلت أكثر من 20 مليون شخص. ويبدو أنّ للأتراك حساسية خاصة تجاه باكستان.
في البداية، غامر أردوغان وهاجم الدول الإسلامية والعربية النفطية لـ«بخلها» في مساعدة هذا البلد. ثم أمضت زوجته أمينة أياماً هناك لتوزّع المساعدات للمنكوبين، إلى أن جاء الدور على سارة داوود أوغلو وزوجها اللذين استضافا مأدبة عشاء لجمع 1.7 مليون دولار من التبرّعات سيُبنى منها مستشفى في باكستان حيث ستمضي الطبيبة سارة أسبوعين بعد اكتمال بنائها لمعالجة المرضى.
مبادرة فرضت نفسها في الصحف التركية التي حيّت سارة، إذ إنها ستفترق عن زوجها وأولادها أسبوعين كاملين بعد زواج دام 26 عاماً.
نقلا عن الاخبار اللبنانية