تشهد الساحة الفلسطينية مزيداً من التقارب الوطني بين حركتي حماس وفتح، قد يكون هذا التقارب إعلامياً بعيداً عن أي توفير مساحة للتحرك تجاه تفكيك الملفات العالقة والتي جزء منها يُعد ضمن تركيبة النظام السياسي الفلسطيني وتداخله مع المجتمع الدولي، والاعتراف المتبادل بالاحتلال ومنظمة التحرير، والذي كان مدخلاً للبدء في مسار المفاوضات نحو أوسلو، ونحو تشكيل نظام فلسطيني سُمي سابقاً "نظام الحكم الذاتي".
التداخل بين المجتمع الدولي ومكونات النظام السياسي الفلسطيني في رؤيته واستراتيجيته المستقبلية تجاه القضية الفلسطينية يُعد محطة فاصلة في سبيل إنهاء حالة الانقسام، وإنعاش القضية الفلسطينية، لما لهذا التداخل من تناقضات أمام الفصائل التي لا تعترف بــــ (إسرائيل)، منها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، واللتان ترفضان فكرة الاعتراف بوجود (إسرائيل) على أرض فلسطين التاريخية، وبالتالي فإن مجمل التناقضات تنعكس بشكلها الفعلي على الواقع الفلسطيني، الأمر الذي شكَل حلقة واسعة من النزاع الداخلي بين الخصوم على مستوى الوطن ككل.
إن فكرة إنهاء الانقسام لا تأتي بتنازل أي طرف للآخر أو تقديم تسهيلات أو إظهار مؤشرات حسن النوايا لتمهيد أرضية صلبة يقف عليها الكل الفلسطيني ويتم خلالها الإعلان عن مصالحة فلسطينية شاملة، بل تأتي في سياق إنهاء مشروع أوسلو الذي لم يتيح للفلسطينيين بالوصول إلى مرحلة التحرر في ممارسة أدوات الحكم، وقد جاءت شروط الرباعية الدولية التي تلزم الفلسطينيين بالاعتراف بـــ (إسرائيل) كأحد أوجه التحديات التي فرضتها الإدارة الأمريكية للحفاظ على مستقبل الاحتلال وأمنه، وتقييد عمل أي مكون من مكونات الشعب الفلسطيني.
التقارب بشكله الإعلامي مهم ومن الممكن البناء عليه لخطوات أكثر جدية في مواجهة مشروع الضم وكافة المخططات الإسرائيلية والأمريكية، بالحد الذي يلبي طموح وآمال الشعب الفلسطيني، ومن الممكن أن يشكل بوابة لوقف حالة الاحتقان، وتأسيس قواعد وطنية مشتركة ضمن إطار الحفاظ على الوحدة الوطنية ووحدة الجهود نحو إنهاء الأزمة الداخلية الفلسطينية، وإشغال الرأي العام العالمي بهذا التقارب والذي يشكل تحدياً استراتيجياً للاحتلال الإسرائيلي ولقوى الغرب التي تساهم في تصفية القضية الفلسطينية وتفتيت المجتمع الفلسطيني.
في سياق متصل صرح عدد من ممثلي الحركتين أن ما يحدث عملياً على الأرض يأتي ضمن بناء الجهود وتنفيذ خطة فلسطينية شاملة لمواجهة مشاريع الاحتلال الذي شن خلالها حرباً على أجزاء واسعة من الضفة الغربية لضم ما يقرب من 38% من أراضيها، وأن ملفات المصالحة لم يتم التفاوض عليها كونها بحاجة إلى العودة لتنفيذ اتفاقات المصالحة التي عقدت في عدد من العواصم العربية، كان آخرها اتفاق القاهرة 2017 والذي أسس لإنهاء الأزمة الفلسطينية الداخلية، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وقد أفسد الاحتلال على الفلسطينيين وحدتهم التي أضحت تمثل حلم كل فلسطيني كونه يمثل المدخل الوحيد لبناء استراتيجية النضال الوحدوي والتي تؤسس لمرحلة جديدة من مراحل الصراع بلونها الوطني وقيمها المُثلى القادرة على تحقيق رؤية الكل الفلسطيني نحو تحرير الأرض والإنسان.