عملت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأتها وفق مبرر أساسي للنظام السياسي لضمان سيطرة العنصر اليهودي كمّاً ونوعاً، وبالتالي إلغاء الطابع العربي الفلسطيني بمختلف السبل والوسائل وأساليب الاحتيال وسن القوانين تنفيذاَ لسياسة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
مخطط السيطرة على الأرض كان مرتبطا على مدار سنوات الاحتلال بتهجير السكان الفلسطينيين كون وجودهم يشكل أزمة حقيقية للاحتلال لم يستطع التخلص منها منذ النكبة عام 1948 حتى يومنا هذا، رغم إدراك الاحتلال لأهميتها.
فقد أقرّ الكنيست الإسرائيلي في 1950, قانون “العودة” الذي يحق بمقتضاه لكل يهودي، أينما كان موطنه الأصلي ومهما كانت جنسيته، ان يهاجر الى (إسرائيل)، وتلا ذلك قانون “الجنسية” الذي أقرّه الكنيست 1952 ويمنح بموجبه أولئك المهاجرين الجنسية الإسرائيلية على الفور.
ومنذ اللحظة الأولى كان الهدف من هذين القانونين وغيرهما تغليب الطابع اليهودي على السكان وتهويد فلسطين.
ورغم كل تلك القوانين والإجراءات والهجرة التي شجعتها ومولتها الحركة الصهيونية إلا ان الفلسطينيين حافظوا على نسبتهم العامة داخل أراضي الخط الأخضر وفي الأراضي المحتلة عام 1967, ما شكل هاجسا لكل قادة الاحتلال والذين اتخذ عدد منهم قرارات مصيرية وبعضهم وصفها بالأصعب في حياته في سبيل التخلص من القنبلة الديموغرافية والمحافظة على الطابع اليهودي لدولة الاحتلال.
ربما الأخطر بين قادة الاحتلال هو بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الحالي الذي وجد في غياب المشروع العربي وتشرذم الدول العربية فرصة تاريخية لإنهاء الصراع الديموغرافي الخفي المرهق للاحتلال، وقد اتخذ عدة قرارات مصيرية بهذا الشأن أهمها قانون يهودية الدولة الذي اقره الكنيست في يوليو 2018.
القانون شكل حالة جدل كبيرة ويمهد في أي سياق تسوية او تفاوض قادم لرفض أي مقترح بشأن حق العودة وليس فقط محاربة الوجود الفلسطيني مقابل فتح الباب أمام استمرار الهجرة اليهودية كذلك يفتح الطريق أمام تطبيق قانون شرعنة الاستيطان.
والأخطر أنه يهدد بتهجير حتى الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر والذين يحملون الهوية الإسرائيلية، ويشكلون اليوم ما نسبته 20% من عدد السكان داخل دولة الاحتلال، التي تحاول التخلص منهم بأي طريقة.
من ناحية أخرى حاول نتانياهو من خلال صفقة ترامب التخلص من أكبر عدد من السكان العرب بحجة ضمهم للدولة الفلسطينية، وتحديداً جرى الحديث عن منطقة المثلث التي تعتبر مساحة ضيقة يقطنها عدد كبير من السكان وبضمها يمكن التخلص من كتلة سكانية عربية كبيرة.
لم يكن نتانياهو الوحيد الذي أدرك خطورة العنصر الديمغرافي وتهديده الوجود اليهودي على أرض فلسطين فقد كشف كتاب جديد صدر في (إسرائيل) مؤخرا أن رئيس حكومة الاحتلال الأسبق أرئيل شارون بعد الانسحاب من غزة، خطط لمواصلة خطوات أحادية بالضفة الغربية للحفاظ على الأغلبية اليهودية لـ(إسرائيل).
وتحدث مقربون منه بشعور شارون بضرورة الحفاظ على قبضة (إسرائيل) في الضفة الغربية في المناطق التي يعتقد أنها ضرورية لأمنها، وهذه المناطق هي كتل استيطانية، وقد كان مدفوعا في المقام الأول بالمسألة الأمنية".
وأكد أن "شارون بدا قلقا للغاية بشأن البيانات الديموغرافية المقدمة إليه من تقريرين للبروفسورين سيرغيو ديللا برغولا وأرنون سوفير، واقتنع بأن (إسرائيل) ستواجه صعوبة في الاحتفاظ بأغلبية يهودية بين نهر الأردن والبحر إن لم تنفصل عن الفلسطينيين.
بينما تحدث الكتاب عن إسحاق رابين الذي حاول تحصين أمن (إسرائيل) أمام الفلسطينيين عبر الحفاظ على دولة الاحتلال آمنة، من خلال توزيع الفلسطينيين للحفاظ على يهودية الدولة، وتجنب احتمال أن تصبح ثنائية القومية".
المؤلف ينقل عن رابين أنه "كشف له في شباط/ فبراير 1995 قبل أشهر من اغتياله، أنه متشكك من إمكانية التوصل لتسوية دائمة مع الفلسطينيين، ومع ذلك فهم أنه يجب على (إسرائيل) أن تتخلى عنهم للحفاظ على شخصيتها وهويتها وأمنها، ونوى بناء جدار فاصل بين (إسرائيل) والفلسطينيين".
المعطيات تبين حجم التخوفات من عنصر الديمغرافيا وخطورته التي أدركها قادة الاحتلال السابقون.
حيث لا يمكن الفصل بين المخططات الإسرائيلية السابقة في الانفصال عن الفلسطينيين على أيدي شارون ورابين، والتحركات الإسرائيلية الجارية لضم الأراضي الفلسطينية، وما تحمله من آثار جسيمة مصيرية، وتحذير من المخاطر الكامنة فيها، والتي حذر منها بالدرجة الأولى أصحاب الرؤية الأمنية الإسرائيلية.