ليس ثمة شك من أن كارثة "مرفأ بيروت" والخسائر الفادحة الناتجة عنه، يشكل في جوهره صاعقًا لتفجير بلد يعيش في حقل ألغام نتيجة أوضاعه السياسية والأمنية والاقتصادية الكارثية.
الحدث الفاجع الذي زاد ضحاياه عن 135 قتيلا ونحو5 آلاف جريح وعشرات المفقودين تحت الأنقاض، مثلت عملية اغتيال جديدة للعاصمة بيروت، التي تترقب النطق من المحكمة الجنائية حول اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، اغتيال جديد من شأنه أن يدفع البلاد إلى أتون نفق جديد.
قوة انفجار "الأمونيوم" المصادر عام 2014 على متن سفينة لم يعرف للتو أهداف مقصدها أو مسيرها، يشبه تمامًا ضراوة المشهد الأمني والسياسي الذي يعيشه لبنان، فهو يترافق مع مجموعة صواعق تنبىء بمستقبل دام للبلاد ما لم تجد طريقها للعقلاء لاحتواء الأزمة.
دلالات التوقيت
يترافق وقوع الانفجار في وقت تشهد فيه البلاد اللبنانية العديد من التجاذبات الداخلية بين الأحزاب وعواصف الأزمة الاقتصادية الحادة، بالتزامن تشهد الأوضاع الأمنية بين (إسرائيل) ومنظمة حزب الله في لبنان أيضا حالة من التوتر والتصعيد، نتيجة مقتل أحد قادة الحزب اللبناني في غارة جوية إسرائيلية قرب مطار دمشق الدولي في وقت سابق من يوليو الجاري، وخشية جيش الاحتلال من أن يرد الحزب اللبناني ردا قاسيا على ذلك، وما تبعه من زعم الاحتلال قبل أسبوع إحباط محاولة تسلل لعناصر من حزب الله في مزارع شبعا.
ومنذ عدة أيام دفعت (إسرائيل) بتعزيزات كبيرة إلى الحدود مع لبنان، ورفعت من وتيرة تهديداتها تجاه الحزب والدولة اللبنانية على حد سواء.
ولعل تصريحات بعض قادة الاحتلال الإسرائيلي على الحدث اللبناني يدلل على أن (إسرائيل) قد لا تكون بريئة مما جرى وقد تكون تمارس لعبة الإلهاء ولها أصابع خفية من وراء الكواليس لدولة يتواجد فيها حزب لطالما اعتبرت أنه يشكل تهديدا استراتيجيا لأمنها.
نشوة إسرائيلية
الشماتة الإسرائيلية بدت واضحة من خلال حديث نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق "موشيه فيجلين" في أول تعقيب له على انفجار بيروت قائلا: "هل تفهمون أنه كان من المفترض أن يسقط علينا ذلك الجحيم على شكل أمطار من الصواريخ؟ شكر حقيقي وضخم لله ولكل العباقرة والأبطال الذين نظموا لنا هذا العرض المذهل من الانفجارات التي شاهدناها أمس في بيروت تكريما لعيد الحب اليهودي".
وتعتقد (إسرائيل) أنها نجحت في الهروب من رد الحزب اللبناني بعد الانفجار، حيث يرجّح محلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي تراجع حزب الله عن تنفيذ أعمال انتقامية -في الوقت الراهن.
وقال بن يشاي: "من المرجح أن يصل حزب الله وقائده إلى استنتاج مفاده أن هذا ليس الوقت المناسب للاشتباك مع إسرائيل".
ما سبق يدلل على أن الاحتلال هو المستفيد الأول من تفجير بيروت، وبحسب اعتقادهم فإن التفجير سيُلهي لبنان وحزب الله فيما جرى، ومن ناحية أُخرى سيضمن فترة من الهدوء لإسرائيل قد تمتد لمدى أطول مما كانت عليه في أيام ما قبل الانفجار.
وهو ما بدى من حديث روني دانيال المحلل الإسرائيلي في القناة 12 العبرية والذي قال إنه من الممكن أن يؤدي انفجار بيروت الضخم على الأقل بالنسبة "لإسرائيل" إلى فترة هدوء ستستمر طويلا، حيث لن يرغب حزب الله في بدء اشتباكات أخرى مع "إسرائيل".
ورغم ما سبق فإن إسرائيل تحاول إخفاء نشوة الفرح بالانفجار بعرضها لتقديم المساعدة والإغاثة منذ اللحظة الأولى لوقوع الانفجار، إلى جانب إبراز تعاطفها عبر إضاءة مبنى بلدية تل أبيب بألوان علم لبنان تضامنا مع الشعب اللبناني.
وفي النهاية إن كان سبب التفجير هو سنوات من التراخي والإهمال في تخزين مادة شديدة الانفجار "نترات الأمونيوم" في ميناء بيروت، فإنه لا يمكن التسليم بأن فتيل الانفجار اشتعل بشكل ذاتي وبعيدا عن أياد خفية، قد تكون إسرائيل المستفيد الأكبر من ورائها!