لم يكن من المستهجن أن تتوقع المؤسسة العسكرية الصهيونية حدوث تحولات إيجابية لصالح (تل أبيب) أعقاب انفجار ميناء بيروت.
فقد جاء الانفجار في ظل استنفار صهيوني على الحدود الشمالية تحسبا لإقدام حزب الله على تنفيذ عملية عبر الحدود ردا على مقتل أحد عناصره في سوريا في غارة صهيونية.
ومن الواضح أنه في ظل الظروف التي سادت في لبنان والمنطقة في أعقاب الانفجار، فإن فرص إقدام الحزب على مثل هذا العمل تراجعت إلى حد كبير.
لكن أكثر ما تراهن عليه (تل أبيب) في أعقاب الانفجار هو تنامي الضغوط الدولية التي ستمارس على كل من الدولة اللبنانية وحزب الله، والتي ستركز على محاولة المس بمكانة الحزب ودوره العسكري، وهو ما قد يقود إلى حدوث تحول على ميزان القوى الإستراتيجي في المنطقة لصالح (تل أبيب).
وحسب التصور الصهيوني، فإن الانفجار سيفرض خارطة جديدة للتدخلات الإقليمية والدولية في بلاد الأرز، بحيث سيكون من السهل في إطارها الدفع نحو تعاظم تأثير قوة عظمى أو أكثر على لبنان إلى جانب تمهيد الطريق أمام استئناف الدول الخليجية نفوذها هناك؛ على اعتبار أن هذين التطورين يمكن أن يسهما في الدفع نحو تراجع مكانة إيران في البلاد، وهو ما يمثل مصلحة صهيونية من الطراز الأول، على اعتبار أن المس بالنفوذ الإيراني يعني ضمنا المس بنفوذ حزب الله وتقليص قدرته على مواصلة تعاظمه العسكري.
لكن الرهانات الصهيونية قد تتبدى في النهاية على أساس أنها مجرد آمال غير مرتبطة بالواقع. صحيح أن انفجار بيروت أعاد خلط الأوراق الداخلية والإقليمية والعالمية بشكل لا ينسجم مع مصالح حزب الله وحلفائه في الداخل والخارج؛ لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن ما حدث يمكن أن يفضي إلى مسار يسهم في تخلي حزب الله عن سلاحه.
في الوقت ذاته، فإنه من غير المتوقع أن تأخذ التدخلات الإقليمية والدولية نفس التوجه، على اعتبار أنه في الوقت الذي ستطالب جماعات لبنانية، لأسبابها، بتدخل أمريكي فرنسي خليجي للمساعدة، فإن الأطراف الأخرى ستطالب بتدخل صيني إيراني روسي؛ وهو ما يعني ان الاستقطاب بين القوى العظمى سيزيد من ضبابية المشهد اللبناني وهذا يعني أن رهانات (تل أبيب) على هذا الجانب غير مضمونة.
في الوقت ذاته، إن طابع النظام السياسي اللبناني وتعدد مراكز القوى الفاعلة فيه وطابع التحالفات الداخلية سيجعل من الصعوبة بمكان تحقق السيناريو الذي ترغب فيه (إسرائيل).
أكثر من ذلك، فإن حجم الدمار الذي لحق ببيروت جراء الانفجار أوضح للمجتمع الدولي ما تعنيه (إسرائيل) بتهديداتها المتتالية بإعادة لبنان إلى "العصر الحجري" في حال نشبت حرب لبنان الثالثة، وبالتالي فإن هذا يفترض أن يجعل العالم أكثر رفضا لإمكانية تطبيق هذا السيناريو.
ليس هذا فحسب، بل إن انفجار بيروت أوضح أيضا الثمن الذي يمكن أن تدفعه (إسرائيل) وجبهتها الداخلية في حال نشبت مواجهة مع حزب الله، على اعتبار أن الصواريخ ذات دقة الإصابة العالية التي يملكها الحزب يمكن أن تصيب مرافق حساسة وخطيرة، مثل ميناء حيفا المحتلة، الذي يضم حاويات من غاز الأمونيا شديد الانفجار؛ مع العلم أن تقديرات صهيونية سابقة رجحت أن تضطر (إسرائيل) إلى إجلاء حوالي 700 ألف مستوطن في حال أصيب هذا الميناء.
من ناحية ثانية، فإن رهانات (إسرائيل) على انفجار بيروت، يفترض أن تلزم الفرقاء في لبنان عدم استبعاد إمكانية أن يكون لها دور في تدبيره.
فحقيقة أن النظام السياسي والجهاز البيروقراطي اللبناني يتحمل المسؤولية عن انفجار بيروت لسماحه بتكديس مواد متفجرة على هذا النحو، إلا أن هذا لا ينفي فرضية مسؤولية (إسرائيل) عن الحادث. فيمكن الافتراض أن (إسرائيل) علمت بوجود هذه المتفجرات ووجدت السبيل لإشعالها. فـ(إسرائيل) التي تمكنت من تسريب السم المشع إلى مقر إقامة الراحل ياسر عرفات لن تعجز عن زرع عبوة ناسفة في مخزن في ميناء بيروت.