"محرقة وزراء (إسرائيل)" بهذه الصيغة يتعامل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو مع غزة التي يزاود خصومه السياسيون والعسكريون على سياسته اتجاهها، خاصة بعد التفاهمات التي جرت بين الاحتلال وغزة أثناء مسيرات العودة الكبرى منتصف 2018.
وفي الوقت الذي يطالب به خصومه السياسيون بالقضاء على المقاومة في غزة وتوجيه ضربة قاصمة لها، يعمد نتانياهو إلى تولية حقيبة وزارة الحرب لهم، هناك حيث تختلف التصريحات عن الواقع والقرارات الحاسمة التي يمكن اتخاذها.
بيني غانتس الذي وعد خلال حملته الانتخابية بالقضاء على حماس والمقاومة في غزة يقف عاجزاً اليوم أمام اختبار البالونات الحارقة الذي يضعه في موقف محرج، فمن ناحية لا يستطيع تنفيذ وعوده بتدمير حماس ومن ناحية أخرى لا يمكنه تحمل استمرار حالة الاستنزاف والحرائق في الجنوب، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الانتقادات للحكومة والجيش في مدن غلاف غزة.
المأزق الذي حُشر فيه غانتس يبدو مريحا لنتانياهو فهو يظهر خصمه عاجزاً ومضطراً في النهاية للتعامل وفق سياسة نتانياهو مع غزة التي تتجنب الحرب والتصعيد خشية الثمن المرتفع الذي سيدفعه الاحتلال في أي مواجهة.
من ناحية أخرى فإن غانتس حينما شغل منصب قائد أركان الجيش الإسرائيلي عام 2011، كان من أبرز المهام العسكرية التي تولى قيادتها أثناء وجوده في ذلك المنصب عملية "الجرف الصامد" ضد قطاع غزة في العام 2014.
وقد تباهى في تسجيلات مصورة بعدد الضحايا الفلسطينيين والأهداف التي تم تدميرها تحت قيادته في حرب 2014 التي خاضتها (إسرائيل) ضد المقاومة بغزة، وأنه استطاع إعادة القطاع إلى "العصر الحجري", حسب وصفه.
وضع غانتس منذ تشكيل الحكومة هدفين اتجاه غزة وصرح "لدينا مصلحتان في غزة، وهما استعادة الأسرى الإسرائيليين، واستعادة الهدوء، وإذا لم يحدث ذلك، سنرد بقوة كبيرة، لن نسمح بانتهاك سيادتنا".
تصريحات تقترب كثيرا من تلك التي أطلقها أفيغدور ليبرمان وزير الحرب السابق والتي لم يستطع تنفيذها وأطاحت به قبل ان يخسر مستقبله السياسي في الانتخابات بسبب فشله في غزة.
غانتس اليوم يعيد تكرار تجربة سابقه ليبرمان الحليف السابق لنتانياهو ويهدد غزة بقوة بأنه إذا لم تنعم سديروت بالهدوء فلن تنعم به غزة، وأن استمرار إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة على مستوطنات غلاف غزة سيدفع نحو التصعيد.
وأمام المأزق الكبير حاول غانتس اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بالشؤون اليومية لقطاع غزة فقد أوقف ادخال الوقود واغلق معبر كرم أبو سالم الأسبوع الماضي لعدة أيام قبل ان يقرر اغلاق البحر بالكامل.
قرارات غانتس صغيرة مقارنة بحجم التصريحات والتهديدات والرؤية التي يمتلكها للتعامل مع المقاومة، لكنه لا يملك حق اتخاذ قرارات أكبر أو أخطر.
ويسخر نتانياهو من غانتس كما سخر سابقاً من ليبرمان عبر مستوى القرارات التي يسمح لهم باتخاذها حتى أطلق على الأخير قبل استقالته من وزارة الجيش بأنه تحول لحارس على بوابات غزة.
غانتس صاحب التاريخ العسكري الطويل والرؤية الخاصة بضرورة استعادة الردع بالقوة يستجدي الهدوء من غزة، ويتسول امن المستوطنين من المقاومة في الوقت الذي يشتعل غضب سكان الغلاف عليه وعلى الحكومة الفاشلة في توفير الأمن والهدوء لهم.
غزة تحرق مجدداً قادة الاحتلال وتسقط رموزه أمام اختبارات التصعيد والهدوء، فيما يبدو أن القادة العسكريين قد فهموا حجمهم وقدرتهم ورضخوا لمعادلة الردع في غزة، وتعلموا من وزير حربهم السابق "ليبرمان" الذي لطالما أطلق تصريحات نارية أحرقت مستقبله السياسي.