عصري الفكر وحضاري الرؤية، هكذا وُصف المهندس إسماعيل أبو شنب الرجل السياسي صاحب القرارات المتزنة، بعدما عُرف عنه الإبداع والمثابرة، لكنه لم ينعزل بنجاحه، فانخرط في العمل الجهادي ليُزكي علمه ويعطي كلّ ذي حق حقه.
وبينما يوافق غداً الجمعة الحادي والعشرون من أغسطس الذكرى الثامنة عشرة لاغتيال عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" المهندس إسماعيل أبو شنب، تعود إلى الواجهة شخصيته الوازنة ذات الكاريزما والحضور والتأثير سواء على صعيد الحركة، أو على صعيد فصائل العمل الوطني والإسلامي.
ميلاد في رحاب النكبة
ولد المهندس إسماعيل حسن محمد أبو شنب "أبو حسن" بعد الهجرة بعامين، في الثامن والعشرين من مارس عام 1950م في خيمة على رمال ملعب اليرموك بمدينة غزة، لينتقل بعدها مع أسرته إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة؛ ليعيش كما غيره من أبناء فلسطين فصولاً من القهر الذي لا ينتهي بعد أن هُجّروا من ديارهم رغما عنهم، حتى تزوج في الرابع من أغسطس عام 1977م، ثم كان له من الأبناء ثمانية.
طموح ومثابرة
أنهى أبو شنب المرحلة الابتدائية دراسته في مخيم النصيرات للاجئين، وأكمل المرحلة الإعدادية بمدرسة غزة الجديدة للاجئين، بعد أن انتقلت أسرته للعيش في مخيم الشاطئ عام 1963م، ثم التحق بمدرسة فلسطين الثانوية إلى أن اندلعت حرب 1967م، التي حرمته وجميع طلاب الثانوية العامة من التقدم للاختبار؛ ما دفع وكالة الغوث أن تتخطى شهادة الثانوية العامة بإجراء اختبار عام كشرط للدراسة في معهد المعلمين برام الله.
قُبل أبو شنب ودرس في قسم اللغة الإنجليزية، إلا أنه تحول لدراسة الهندسة المدنية وأتم البكالوريس، ثم حصل على درجة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة كالورادو الأمريكية عام 1983م.
حياة غنية
بعد أن تخرج في كلية الهندسة عام 1975م عمل في بلدية غزةـ ثم عمل مدرسًا في جامعة النجاح بنابلس عام 1983م، وشغل منصب رئيس قسم الهندسة بين عامي 1984م-1985م، كما عمل مهندسًا في وكالة الغوث للاجئين إلى أن اعتُقل في مايو 1989م، ثم عمل بعد خروجه من سجون الاحتلال عام 1997م محاضرًا في الجامعة الإسلامية بغزة حتى استشهاده.
سبيله الجهاد
بعدما انتقلت إقامة أبو شنب إلى غزة، عرف الشيخ أحمد ياسين من خلال الاستماع لخطبه ومحاضراته الدينية والوطنية، حتى نمت بينه وبين الشيخ علاقة تنظيمية، ما أتاحت له فرصة المشاركة في تأسيس الجمعية الإسلامية وصياغة سياساتها وأهدافها، ثم المساهمة في إذكاء شعلة الانتفاضة بمدينة غزة عام 1987م ومتابعة العمل العسكري ضد الاحتلال حتى اعتقاله.
اعتقله الاحتلال في 31/5/1989م بتهمة اتصاله بالخلية العسكرية التابعة لكتائب القسام التي خطفت الجندي الإسرائيلي إيلان سعدون وقتلته في مايو 1989م، وقد حُكم عليه بالسجن اثنتي عشرة سنة: أربع سنوات مع وقف التنفيذ، وثماني سنوات فعليًا، أمضى منها سنتين في العزل الانفرادي، والباقي في سجن عسقلان حتى عام 1997م.
ترأس أبو شنب اللجنة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتفاضة الأولى والتي كانت المسؤولة عن إصدار بيانات الحركة ومنشوراتها.
إنجازاته
شارك المهندس إسماعيل أبو شنب في تأسيس نقابة المهندسين عام 1976م بهدف الارتقاء المهني والتطويري للكادر الهندسي والتحسين من أدائه، بالإضافة إلى المحافظة على حقوقهم، كما كان أحد المشاركين في تأسيس الجمعية الإسلامية بغزة عام 1976م التي كانت تهدف إلى المحافظة على الشباب الفلسطيني ثقافيًا ورياضيًا واجتماعيًا من الفساد الذي كان يحاول الاحتلال بثه بين صفوف الشعب الفلسطيني، وشارك أيضًا في تأسيس كلية المجتمع في الجامعة الإسلامية بغزة عام 1998م، وعمل على تأسيس مركز أبحاث المستقبل بغزة عام 2000م.
تميز أبو شنب بحنكته السياسية العالية وحراكه الواسع بين فصائل العمل الوطني والإسلامي في سبيل التوفيق بين المواقف والاجتماع على كلمة مقاومة الاحتلال، فترسخ دوره البارز في تقوية أواصر الصف الفلسطيني الداخلي.
الشهادة
في العاشر من يونيو عام 2003م، أعلنت حكومة الاحتلال عن حملة واسعة لاغتيال قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" السياسيين، فلم تكن قد مضت أشهر قليلة على محاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، حتى استهدفت طائرات الاحتلال الحربية سيارة مدنية بعدة صواريخ غرب مدينة غزة أدت إلى استشهاد عضو المكتب السياسي لحماس إسماعيل أبو شنب واثنين من مرافقيه، وإصابة 19 فلسطينيًا.
قدم المهندس إسماعيل أبو شنب نموذجًا للقائد الفلسطيني الذي يجمع بين نضاله ونجاحه في حياته العملية وحنكته السياسية وسعيه إلى الوصول بالفلسطينيين إلى تحرير الأرض والمقدسات.