رجل الحوار والعقلانية السياسية، والساعي لخلق قواسم العمل الوطني، والمتصدر في اللحظات الحرجة وحالات الاحتقان.. هكذا كان يُوصف المهندس الشهيد إسماعيل أبو شنب عضو المكتب السياسي لحركة حماس وأحد أبرز قادتها إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وتحل اليوم الذكرى العشرون لاغتيال المهندس أبو شنب بقصف طائرات الاحتلال الصهيوني سيارته في مدينة غزة بصاروخين، في الحادي والعشرين من أغسطس عام 2003م، لنستحضر محطات ومواقف في حياة الرجل الأيقونة في السياسة والعمل الوطني.
ليس للاجئ سوى وطنه
اللاجئ من قرية الجيّة قضاء عسقلان، وُلد عام ١٩٥٠م على بُعد عامين من نكبة فلسطين، نشأ وتعلم وصُقلت شخصيته في مخيم النصيرات ثم الشاطئ، وظّلت -بموازاة تفوقه العلمي- قضية فلسطين راسخة في ذهنه ليسّخر كل جهده في سبيلها.
ومع التحاقه بكلية الهندسة بمصر عام ١٩٧٠، ليحصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية، وإتمامه دراسة الماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٨٣م، كان بإمكانه بناء حياته في أي دولة عربية أو أجنبية؛ لكنه عاد إلى أرض الوطن ليهندس فيها مسيرته العملية والنضالية.
وبينما تنقّل في عمله بعدّة محطات؛ بدءًا من تدريس اللغة الإنجليزية، ثم مهندسًا في بلدية غزة، ورئيسًا لقسم الهندسة بجامعة النجاح في نابلس، ثم عمله مهندسًا بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا)، كانت تتكشف شيئًا فشيئًا جوانب من أدواره الوطنية التي واكبت الفعل الوطني لمواجهة الاحتلال قبيل الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام ١٩٨٧م.
غرس الياسين
كان لقاء المهندس أبو شنب مع الشيخ المؤسس أحمد ياسين عاملاً مهماً في انطلاق مسيرته الوطنية، فعلاقته بالشيخ التي بدأت بالاستماع لخطبه ومواعظه الدينية، تطورت إلى تأثر فكري وعلاقة تنظيمية، كان أبرز تجلياتها مشاركة أبو شنب في تأسيس عدد من المؤسسات الأهلية، كنقابة المهندسين والجمعية الإسلامية عام ١٩٧٦م، اللتين ما زالتا شاهدتين حتى اليوم على بصماته وأثره.
وبرز أبو شنب قائدًا مناضلًا في أعقاب اندلاع انتفاضة الحجارة وانطلاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، واعتقال الاحتلال له عام ١٩٨٩م، بتهمة اتصاله بخلية كتائب القسام المسؤولة عن أسر الجندي الصهيوني إيلان سعدون وقتله، ليقضي في أعقابها حكمًا بالسجن مدته ثمانية أعوام، وينال الحرية عام ١٩٩٧م، ليصطدم عقب خروجه بواقع سياسي معقد.
رجل القواسم المشتركة
حين خرج المهندس أبو شنب من سجون الاحتلال والسلطة الفلسطينية واجه واقعاً مريراً تمارس فيه السلطة على حركة حماس هجومًا منظمًا، كان ذروته عام 1996م، حين شنت حملة اعتقالات طالت نحو ألفين من كوادر الحركة وقادتها، على رأسهم د. محمود الزهار ود. عبد العزيز الرنتيسي، وكذلك داهمت وأغلقت جمعيات ومؤسسات اجتماعية وصحفية.
ورغم تعقد المشهد السياسي إلا أن أبو شنب اتخذ شعارا في علاقته مع السلطة الفلسطينية مفاده: "لا خيار أمامنا إلا أن نتحاور أو نصطدم، وبالتالي الحوار كان وسيلتنا لمنع أي اصطدام"، وفق ما عبّر عنه في عدة مقابلات صحفية.
وتجسد هذا الشعار عندما دعم وأيّد مشاركة حماس في المحافل الوطنية، انطلاقًا من حوار نابلس عام 1997م، الذي شارك فيه ضمن وفد الحركة، وكان له دور في صياغة البيان المشترك الذي صدر عن ذلك الحوار، وفق شهادات قادة فلسطينيين حضروا وقائع الحوار، وكذلك تشكيل ما سُمّي حينها "سكرتاريا الحوار والوحدة الوطنية للفصائل والقوى الوطنية".
وأصبح أبو شنب أحد أبرز أعضاء "سكرتاريا الحوار والوحدة"، التي لعبت دورًا بارزًا في معالجة آثار حملة السلطة على الحركة، والإفراج عن عدد من القادة، وكان أبرزهم الدكتور إبراهيم المقادمة، ونجح المهندس في تنظيم علاقة حماس مع السلطة في الإطار الوطني من خلال إشراك الفصائل الفلسطينية في شتى الحوارات آنذاك.
فكره الوحدوي
رسخ أبو شنب نهجًا وحدويًا لا تزال حماس تنتهجه حتى اليوم، إذ كان يرى بضرورة أن "يكون للشارع الفلسطيني -على اختلاف وجهات النظر فيه- قواسم للعمل المشترك، وأن يكون لديه آلية للتناغم ولو اختلفت الاستراتيجيات"، وفق ما عبّر عنه في تصريحات صحفية سابقة.
نهجٌ دفعَ قادةً فلسطينيين -خلال بحث علمي تناول دور أبو شنب الوطني- إلى اعتباره "الإطار المشترك الجامع للقوى الوطنية والإسلامية"، كما وُصف بأنّه "خير من مثّل حماس بما تحلى به من صفات التوافق والوصول إلى القواسم الجامعة المشتركة"، و"صاحب القدرة الكبيرة على نزع فتيل الأزمة بين الفصائل الوطنية والإسلامية في اللحظات الحرجة".
إلا أن هذا النهج لم يشفع له عند أجهزة أمن السلطة التي أقدمت على اعتقاله عدة مرات في سجونها، ورغم ذلك استمر في السعي نحو الوصول لقيادة وطنية موحدة، دون أي تساوق مع محاولات استدراج الحركة للانخراط فيما يسمى "التسوية السياسية" مع الاحتلال.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠م، عمل أبو شنب على توحيد جهود الفصائل لمواجهة جرائم الاحتلال والرد على اعتداءاته المتصاعدة بحق شعبنا الفلسطيني، حتى ارتقى شهيدًا في العام ٢٠٠٣م مسطرًا تاريخًا مشرفًا لا يطويه تقادم الزمن.
وتواصل حركة حماس اليوم نهج أبو شنب في استراتيجيتها الثابتة في بناء علاقاتها الوطنية مع الفصائل والقوى كافة، لتحقيق الشراكة على مستوى البرنامج الوطني، والمؤسسات الفلسطينية.