لم يكن مفاجئا سيناريو وصول وباء كورونا إلى داخل قطاع غزة، فقد كان معلوما بالضرورة أن الوباء سيحط رحاله عاجلا أم آجلا بين أهالي القطاع في ضوء الانتشار الرهيب للوباء في الدول المجاورة، وتفشيه في صفوف المواطنين العائدين عبر المعابر الحدودية، وسعي الاحتلال الصهيوني لنشر الوباء بين أبناء شعبنا لتشتيت قواه وخلط أوراقه وضرب أمنه الصحي والمجتمعي.
لكن الوباء، ولله الحمد والمنة، لم يقتحم على شعبنا أمنهم وصحتهم إلا بأعداد قليلة ومحدودة للغاية بفعل الخطة الحازمة والقرارات الحكيمة التي اتخذتها الجهات الحكومية المختصة، وفي مقدمتها وزارتي الصحة والداخلية، واعتمادها على جهود واسعة وصلت الليل بالنهار لحماية أبناء شعبنا وحفظ أرواحهم وتأمين حياتهم على مدار الأشهر الماضية.
لقد لاقت الإجراءات والتدابير الوقائية التي اتخذتها لجان الطوارئ المتخصصة في طول وعرض القطاع، وحرصها على فرض الحجر الصحي الإلزامي على المواطنين العائدين، ارتياح واستحسان كافة أبناء شعبنا الذين شعروا وأيقنوا ورأوا رأي العين أن نفوسهم ومصالحهم ومقدراتهم ومستقبلهم بأيد أمينة، بعد حفظ ورعاية الله سبحانه وتعالى، عملت بكل جد واجتهاد وتفان وتضحية وعطاء وإخلاص، وأثبتت جدارتها التامة وأهليتها الكاملة في إدارة الأزمة وحفظ ورعاية نفوس ومصالح ومقدرات شعبنا.
كما قامت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بدور إسنادي مهم وكبير عبر تدشين آلاف الوحدات والغرف المخصصة لاستيعاب الوافدين إلى الحجر الصحي في رفح وبيت حانون ودير البلح، وتوفير الرعاية الكاملة والدعم المادي والفني والمعنوي للمنظومة الحكومية كي تؤدي واجبها على خير وجه في حماية شعبنا ومستقبل أطفالنا.
ويوما بعد يوم، كانت لجان الطوارئ المختصة وكافة الطواقم العاملة في مواجهة الوباء تكتسب خبرات جديدة وتطور من عملها وأدائها في إدارة الأزمة، حتى بلغ إتقانها ورقيّ أدائها مستويات رفيعة لم تتوفر مثلها في الكثير من الدول والبلدان، بشهادة منظمة الصحة العالمية والمنظمات الأممية والمؤسسات الدولية وقادة الفكر والرأي والأحزاب من أبناء شعبنا.
ومع دخول الوباء إلى أوساط الناس بشكل محدود للغاية، وأيا كان السبب وراء ذلك، فإن ذلك لا يقدح مطلقا في أهلية وإبداع عمل الطواقم العاملة ولجان الطوارئ العليا في مواجهة الوباء، فلولا الله تعالى بحفظه ورعايته وتوفيقه، ثم كفاءة وإبداع وإخلاص الطواقم واللجان العاملة في وزارات الصحة والداخلية والتنمية الاجتماعية والاقتصاد والزراعة وغيرها، لما تمكنا بفضل الله من عزل ومحاصرة الوباء إلى حدوده الدنيا.
ومن هنا، فإننا لا نجد أي مسوّغ مشروع لأي اتجاه يأخذ بالناس في طريق الخوف والمبالغة والتهويل، واستسهال إطلاق الشائعات والتحليلات المضللة، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين، دون أن يعني ذلك التهاون في الأخذ بالأسباب والالتزام التام بالإجراءات الوقائية والإرشادات الصحية التي أعلنت عنها الجهات الحكومية المختصة، فلا إفراط ولا تفريط، ولا تهوين ولا تهويل، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته الشرعية والوطنية في العمل من أجل حماية أبناء شعبنا وتوعيتهم وتكريس الأمن الصحي والأمان الاجتماعي.
إن طبيعة المرحلة الراهنة واكتشاف بعض الحالات المصابة داخل حدود القطاع، يقودنا إلى توجيه المناشدة الخالصة لأبناء شعبنا بضرورة الأخذ بكل أسباب الاحتياط والوقاية والتدابير الصحية التي أعلنت عنها وزارة الصحة ولجانها المختصة، والتقيد التام بكل الأوامر والتوجيهات الصادرة عن وزارة الداخلية والأمن الوطني، وعدم التعاطي مع الشائعات المغرضة التي تحاول إثارة البلبلة والارتباك في صفوف المواطنين، وإبداء كل أشكال وصور ومظاهر التراحم والتكاتف والتعاضد والتعاون، والبعد عن كل مظاهر الاحتكار والتلاعب بالأسعار في ظل المرحلة الحساسة التي نعيشها، كي نتمكن سويا من الانتصار في هذه المعركة على هذه الجائحة واجتياز المحنة الراهنة، وعبور هذا المنعطف التاريخي بأمن وأمان وسلامة وسكينة واستقرار إن شاء الله.
وهنا نسجل بكل التقدير والاعتزاز الالتزام الرائع الذي أبداه أبناء شعبنا الفلسطيني من خلال الامتثال لقرارات وإجراءات وزارتي الداخلية والصحة، وهو ما يشعرنا بكل الراحة والطمأنينة من أن غزة الإباء ستنتصر بإذن الله على الوباء بفضل وعي والتزام أبنائها الميامين.
إننا في المجلس التشريعي الفلسطيني نؤكد لأبناء شعبنا أننا، وانطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية والبرلمانية، نتابع بشكل حثيث مجريات وتطورات الحالة الصحية في القطاع، ونوفر للجهات الحكومية المختصة كل أشكال الدعم والإسناد والمؤازرة، وأننا نبذل كل ما في وسعنا من أجل استجلاب الدعم الدولي وتوفير اللوازم والمستلزمات الطبية واللوجستية عبر إرسال رسائل عاجلة لرؤساء البرلمانات العربية والإسلامية والدولية
والمنظمات الأممية والمؤسسات الدولية، وسنبقى على تواصل دائم وتماس مباشر مع كافة المسؤولين والدوائر والجهات المختصة من أجل حماية شعبنا وتجنيبه خطر الوباء وصيانة أمنه الصحي والمجتمعي حتى يزول الخطر وينتهي الوباء بإذن الله.
حفظ الله لأبناء شعبنا دينهم وعقيدتهم ووطنهم، وأدام عليهم نعمة الصحة والعافية، ويسر لهم سبل الرزق والتوفيق والسداد، وبارك لهم في شؤون معيشتهم ودنياهم، وأكرمهم بالانتصار على وباء كورونا وبكسر الحصار والنصر والتحرير والفرج القريب بإذن الله.