قائمة الموقع

غزة تواجه الكورونا بيدين خاويتين وقلب واحد

2020-08-29T11:28:00+03:00
الرسالة - رشا فرحات

"لو عدت إلى البيت لن أجد قوت عيالي". جملة مقتضبة رد بها أحد باعة الفاكهة المتجولين حينما سألناه عن سبب خروجه في منع التجوال الذي فرضته وزارة الداخلية على المواطنين في غزة بسبب تفشي وباء كورونا.

شعرنا بقبح السؤال، وبتعبير البائع البسيط الذي لا يملك أي منا حق الرد عليه، بينما بدت شوارع غزة الرئيسية المكتظة على الدوام فارغة إلى حد كبير.

كانت الساعة السابعة مساء، حينما خرجنا في جولة في شارع عمر المختار، الشارع الرئيسي في مدينة غزة، والذي بدا حزينا بعد إغلاق محاله التجارية جميعها لمحاربة عدو مجهول، أو على أقل تقدير حصر الوباء حتى لا يحول القطاع إلى كارثة حقيقية، بعد أن أعلنت وزارة الصحة أن عدد الحالات قد تجاوز المائة في ثلاثة أيام فقط.

عند دخولنا إلى الشوارع الفرعية كانت الصورة مختلفة، ففي الحواري والأزقة الضيقة تسير وتيرة الحياة باعتياديتها الغريبة، هنا لا يكترث البعض  إلى وباء لا يراه، عدو خفي، لأنهم بكل سنوات حصارهم الثلاثة عشر، اعتادوا على صنوف متعددة للحرب مع عدو بطائرات وبوارج وقذائف، فكيف لمن رأى ذلك أن يخاف من عدو مجهول اسمه كورونا ؟! كما يقولون. 

عدد من المقيمين داخل المخيمات يرتدون الكمامات! والباعة المتجولون يرون أن قوت عيالهم أهم من أي خوف، فالفقر هو أصعب طريقة للموت!!

بائع آخر كان ينادي بصوت عال: "أربعة كيلو بعشرة يا موز" ويقف حوله بعض الأطفال، نصحناهم بالعودة لمنازلهم، منهم من أرسلته أمه ليشتري، ومنهم من يريد أن يركض متعلقا بعربة البائع.

وعلى زاوية الشارع عدد من كبار في السن أحضر كل منهم كرسيه وجلس أمام بيته، ونحن نحاول أن نساعد الشرطة التي تنادي عبر مكبرات الصوت وترجوهم أن ادخلوا إلى بيوتكم.

تكلم واحد منهم ضاحكا: الكهرباء مقطوعة يا بنتي منذ خمسة عشر ساعة، أين نذهب في هذا الجو الحار، الأخبار تقول إن درجة الحرارة سترتفع عشر درجات أخرى مع بداية هذا الأسبوع، بالله عليكم، كيف سنقضي يومنا مع أطفالنا السبعة في بيت لا تتجاوز مساحته المائة متر؟!

إجابة أخرى، لا نمتلك فيها حق الرد !!

وفي ظل مناشدات وزارة الصحة، تتقلب أفكار المواطن بين خوف وهلع ولامبالاة، يرتفع منسوب كل منهما حسب احتياجاته اليومية، فالكهرباء مقطوعة على مدار الساعة، وحصة المواطن لا تتعدى الأربع ساعات بعد أن منع الاحتلال دخول السولار المشغل لمحطة الكهرباء اليتيمة والوحيدة والمتهالكة.

ولأن الكهرباء مقطوعة، تنقطع معها المياه بالتوازي، فلا مياه دون القدرة على تشغيل المواتير،  بينما اضطرت الحكومة هنا إلى ضخ مياه المجاري دون معالجة مرة أخرى في البحر بسبب عجز الكهرباء .

في الحواري الضيقة تصعب السيطرة على منع التجوال.

ومع ساعات الفجر الأولى، تستيقظ غزة على أصوات الطائرات، والقصف المتواصل الذي أصبح جزءا من روتين الحياة، بينما ينتشر عمال النظافة في كل الحارات رغم حظر التجوال يحاولون إزالة النفايات التي ملأت الشوارع، مقابل 500 شيكل راتب شهري لا يغني ولا يسمن من جوع.

ولكنها غزة التي تعيش بطريقتها الخاصة بينما يراهن العالم على صبرها، ما زالت تثبت أن صبرها يفوق الحد، حيث خرج المواطنون على نوافذ بيوتهم في ساعات متأخرة ليقطعوا ظلمة الأمكنة ويصفقوا ويرفعوا صوتهم بالغناء لسيارات الإسعاف والشرطة التي تجوب الأمكنة وتناشد المواطنين بالالتزام.

ليست هذه صورة قلمية لوصف غزة، غزة لا يكفيها أي وصف، لكنها ربما تستطيع تذكير العالم الذي يتكلم من بعيد محاولا تهدئة روع مواطنيها في التعامل مع انتشار فايروس كورونا المفاجئ والسريع، بأنها في هذه المعركة أيضا تركت وحدها، وبأنها لا تمتلك أكثر من ثمانين جهاز تنفس، في كل مستشفياتها مجتمعة، وبأنها الآن اضطرت لتقطيع أوصالها وفصل كل محافظة عن الأخرى بالسواتر الرملية، بل وأعلنت أن بعض المستشفيات قد أصبحت مكانا موبوءا بسبب إصابة الكثير من الطواقم الطبية.

 وقبل كل هذا فإن (إسرائيل) العدو الأول لا زالت تفرض حصارها وتمنع عنها حقها بالحياة والعلاج والدواء والمواجهة أيضا!! في ظل تطبيع يجرف العرب جرفا نحو عدوه، دون أن يلتفتوا خلفهم إلى غزة التي ستحارب وحدها أيضا في هذه المعركة.

اخبار ذات صلة