تفشى الوباء في قطاع غزة، وأصبح معدل الإصابات يفوق التوقعات، وربما مؤشر الصعود يصل إلى ما هو غير مأمول، في ظل تشديد الإجراءات والعمل وفق الخطط المعدّة مسبقاً، والجهود الهائلة التي تبذلها طواقهم الصحة والأمن، والطواقم الأخرى المتمثلة باللجان الفرعية التطوعية المساندة لفرق الطوارئ المنتشرة في قطاع غزة من شمالها إلى جنوبها.
يصعب وصف القطاع في هذه الأزمة التاريخية والتي اعتبرها البعض بــــ "الكارثة" التي حلّت على الشعب الفلسطيني في ظل تحديات خطيرة تعصف بمكونات الفلسطينيين، وفي ظل حصار خانق وإجراءات السلطة القمعية التي لم تقدم للقطاع حصته من المساعدات الدولية، لا سيما المستلزمات الطبية التي يجب أن تتوفر بكثافة لمواجهة الجائحة التي تتسع رقعتها في قطاع غزة يوماً بعد يوم.
الكثير من أبناء شعبنا يعتقدون أن معظم الإجراءات المتبعة لن تستمر وهي إجراءات أولية للتعرف على نقاط التفشي ومحاصرتها، والعمل وفق منظومة يبدو أنها غير مُجدية كثيراً في مواجهة الوباء، نتيجة ضعف الإمكانات البشرية والمادية، والتي تُعد تحدياً رئيساً لنجاح أي سيناريو من سيناريوهات إدارة الأزمة.
نجحت فرق الطوارئ في تحديد أماكن التفشي ووقفت على مكامن الخطر الذي يحدق بالمجتمع الفلسطيني كاملاً، وبدأت بعزل مناطق جغرافية واسعة تفشى بها الوباء، وحاولت مواصلة إجراءات العزل لمناطق أخرى، إلا أن الكثافة السكانية والتداخل المجتمعي لسكان القطاع يشكل أيضاً تحدياً خطيراً لنجاح سيناريو العزل الكامل أو أي سيناريوهات أخرى.
ونتيجةً لمنع التجوال بين المناطق الحمراء والصفراء والخضراء، ظهرت العديد من الإشكالات، سواء على الجانب الاقتصادي الذي يعد الحلقة الأضعف لكافة سكان القطاع، أو على الجانب النفسي الذي لا يعتاد عليه الفلسطينيون في مثل هذه الظروف، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، والعزلة عن الجيران والأهل والأصدقاء، وهي جزء من الثقافة المتجذرة بين المجتمع الفلسطيني.
يقف اليوم صانع القرار في موقف صعب وخطير، وعليه أن يفكر في العديد من الحلول الإنسانية، وهي مسؤولية ثقيلة لا تسمح بالخطأ في اتخاذ أي اجراء قد يكلف الفلسطينيين ثمناً كبيراً، وقد يدفعنا نحو الخروج من الأزمة بكل سهولة ويُسر.
التعايش الذي يحتاجه أبناء شعبنا، يكاد أن يكون خيارا غير مطروح من بين الخيارات الأخرى، نظراً للخوف الشديد من تداعيات هذا السيناريو، والذي يعتمد على مناعة القطيع بشكل أساسي، وقد يؤدي إلى حدوث وفيات بين كبار السن وضعيفي المناعة، وفقاً للتجارب الدولية التي أكدت ذلك.
إلا أن الحالة هنا قد تختلف كثيراً، ولها خصوصيتها بين السكان، ولها تداعيات قد تكون مختلفة عما يفكر به صناع القرار ودوائر التخطيط بوزارة الصحة ولجان الطوارئ وفرق الأزمات. المعروف عالمياً أن هناك ضوابط كثيرة لتطبيق سيناريو التعايش وهو المعمول به دولياً، وقد أكدت النتائج أن المواطنين قادرون على إنجاح هذا السيناريو، وتوجيه مؤشر معدل الإصابات من خلال قدرتهم على تنفيذ إجراءات الوقاية التامة خلال أعمالهم وممارسة حياتهم الطبيعية، مع الأخذ باتباع كافة التعليمات التي تصدر عن لجان الاختصاص.
سيناريو التعايش قد ينقذ القطاع الصحي بشكل كبير، ويقلل من حجم التكاليف الباهظة التي تنفقها الوزارة، وتعزز من قدرتها على محاصرة الوباء حال التزم المواطنون بكل الإجراءات التي ذكرت سابقاً، وهي مرحلة لا يمكن الفرار منها أو استبعادها بأي ثمن كان، مع وضع تدابير كاملة للمصابين وتقسيمهم وفق بروتوكول معين، يبدأ بحجر منزلي إلزامي لكافة المصابين الذين لا تظهر عليهم أي أعراض، أو ظهرت عليهم أعراض خفيفة، ونقل الحالات النشطة للعزل داخل المستشفيات، مع إجراءات أمنية لازمة لتنظيم وترتيب كافة إجراءات التعايش من خلال تقسيم مناطق واسعة في قطاع غزة إلى مناطق منفصلة متباعدة لا يُسمح بدخولها أو الخروج منها لفترة زمنية تُقرها لجان الاختصاص، يلي ذلك إجراءات التقييم وكشف النتائج والعمل وفق خطط مرحلية، لكل مرحلة خصوصيتها وأهدافها.
جميعنا مسؤولون وفي خندق واحد للحفاظ على مقدرات أبناء شعبنا، والحفاظ على مقدرات وزارتي الصحة والداخلية، والحرص والاجتهاد على تخطي نوائب الدهر.. "وكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".