نجحت المقاومة الفلسطينية بعد مرور 15 عاما على اندحار الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، أن تُعاظم قوتها العسكرية وتحافظ على مراكمتها وتطويرها بشكل مستمر بعد أن بدأت من الحجر والأسلحة البدائية وليس نهاية بامتلاكها أسلحة استراتيجية ومتطورة.
وفي مثل هذه الأيام من العام 2005، اندحرت (إسرائيل) من قطاع غزة، في حدث تاريخي، حيث لم يسبق لها أن أخلت أرضا تستولي عليها منذ احتلالها فلسطين التاريخية عام 1948.
وشملت المناطق المحررة 21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومترا مربعا.
وخلال عقد ونصف من الزمن، استطاعت المقاومة الفلسطينية مراكمة قوتها في قطاع غزة، وخلقت معادلة صراع جديدة أوجدت حالة ردع لدى جيش الاحتلال وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الصراع.
وبعد أن كانت المقاومة تعمل بشكل سري وغير منظم وبأسلحة بسيطة كسلاح الكارلو والمسدسات والفُخيات، انتقلت عقب الانسحاب الإسرائيلي من القطاع إلى تطوير قواتها وقدراتها العسكرية.
ويحسب للمقاومة أنها باتت تصنع سلاحها بنفسها وتمكنت من تهريب أسلحة متطورة كالصواريخ بعيدة المدى والصواريخ المضادة للدبابات والدورع والمضادات الأرضية وغيرها من المعدات والأسلحة الاستراتيجية كالأنفاق والطائرات بدون طيار والحوامات المفخخة.
وعلى صعيد الأفراد تمكنت المقاومة من الانتقال من عشوائية العمل الفردي، إلى تشكيل مجموعات تتبع لفصائل وسرايا وكتائب وألوية، وكل مجموعة تنقسم إلى تخصصات عسكرية متنوعة.
تغير جذري
ويعتقد الكاتب والمختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة أن المقاومة الفلسطينية في ذكرى الاندحار الخامس عشر من قطاع غزة باتت تشكل خطر وجود على الاحتلال وتهدد أمنه ومصدر قلق مستمر له.
ويؤكد أبو زبيدة في حديثه لـ"الرسالة" أن ما كان من قوة لدى المقاومة قبل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع تغير بشكل جذري، لا سيما وأن الانسحاب جاء نتيجة التكلفة الباهظة التي دفعها الاحتلال بعد العمليات عبر الأنفاق والصواريخ وضرب عمق المستوطنات في القطاع مما أجبر شارون وقتها على الهروب والاندحار.
ويوضح أن المقاومة بعد الانسحاب تمكنت من إيجاد بيئة مقاومة ملائمة لها وانتقلت من التدريب على شكل أفراد إلى تنظيم متكامل ومتطور عسكري ويمتلك الوسائل والأدوات التي أثبتت نجاعتها في مواجهة الاحتلال.
ويبين أبو زبيدة أن الحروب المتفاوتة على القطاع شكلت تجارب عديدة للمقاومة ونجحت الأخيرة من خلالها في الاستفادة من تجاربها، ففي الحرب الأولى عام 2008 كانت صواريخ المقاومة لا تصل مدى أكثر من 20 كيلو داخل الكيان، فيما نجحت المقاومة بتطويرها حتى أصبحت تصل ما يزيد عن 160 كيلو متر كما جرى في الحرب الأخيرة.
إلى جانب ذلك استطاعت المقاومة تعزيز قواتها واستحداث عناصر الكوماندوز البحري وتنفيذ عملية زيكيم التي شكلت صدمة للاحتلال وغيرها من عمليات الانزال خلف الخطوط عبر الأنفاق وتوجيه ضربات نوعية.
قوة رادعة
ويؤكد الخبير العسكري اللواء يوسف الشرقاوي أن الاحتلال أُجبر على الانسحاب من قطاع غزة بعد الثمن الباهظ الذي دفعه نتيجة ضربات المقاومة المتواصلة وهرب للبحث عن معادلات جديدة في الصراع.
ويوضح الشرقاوي في حديثه لـ"الرسالة" أن المقاومة في غزة أثبتت أن خيارها هو الخيار الملائم والأول للتحرر الوطني ولا يوجد لديها أي خيار إلا زيادة قوتها وتعزيزها على صعيد كافة المجالات.
وبين أن المقاومة نجحت في توجيه عدة ضرابات مؤلمة للاحتلال وأربكت حساباته كما جرى في الحرب الأخيرة من عمليات منوعة وإنزال خلف الخطوط وغيرها.
وأشار الخبير العسكري إلى أن ابداعات المقاومة في غزة جلها عقبة أمام كل المشاريع الصهيونية في المنطقة، لا سيما وأنها تسير على خطى التجربة الفيتنامية في التحرر من الاحتلال الإسرائيلي.
ويشدد على ضرورة أن تسعى المقاومة في الأيام والسنوات المقبلة إلى تعزيز وحماية جبهتها الداخلية كمحور أساسي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول البحث عن نقاط ضعف من أجل توجيه ضرباته للمقاومة.