يجد الفلسطينيون أنفسهم بعد مضي 27 عاما على توقيع اتفاق "أوسلو" دون أي شيء، سوى خديعة كبرى أوهموا بها وسلطة شكلية تحت حُكم الاحتلال تخدم مصالحه الأمنية ليس أكثر.
ويصادف اليوم الذكرى الـ 27 لتوقيع اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل) والذي وقّع في العاصمة الأمريكية واشنطن، في 13 سبتمبر/ أيلول لعام 1993، وينص إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويُعرف هذا الاتفاق رسميا باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، بينما أُطلق عليه اسم "أوسلو"، نسبة إلى مدينة "أوسلو" النرويجية حيث جرت هناك المحادثات السرّية التي أنتجت الاتفاق.
ووقّع الاتفاق عن الفلسطينيين محمود عباس رئيس دائرة الشؤون القومية والدولية في منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، بمشاركة رئيس المنظمة الراحل ياسر عرفات، ووزير الخارجية الإسرائيلي شيمون بيريز، بمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحق رابين.
وشكّل الاتفاق، الذي جاء تتويجا لتفاهمات جرت بعد انعقاد 14 جولة من المفاوضات الثنائية السرية بين الطرفين بالمدينة النرويجية، تحولا جوهريا في المسار السياسي للقضية الفلسطينية.
وبعد مرور أكثر من ربع على الاتفاق دون تحقيق أدنى ما تم الاتفاق عليه أو حصول الفلسطينيين على أي دولة، يبقى السؤال القائم عن مصير ومستقبل السلطة الفلسطينية التي جاءت نتاج هذا الاتفاق؟
تفكك وبناء
ويستبعد الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن بعد مرور عشرات السنوات على الاتفاق أن تعيش السلطة مدة طويلة من الزمن، مرجعا ذلك إلى أن هناك استحقاقات يرى القائمون على السلطة أنهم وصلوا لطريق مسدود للحصول عليها.
ويوضح محيسن في حديثه لـ"الرسالة" أن الاحتلال بالمقابل لم يعد يتعامل مع السلطة ككيان يمثل الشعب الفلسطيني وإنما يتعامل معها كمستخدم يلتزم بأوامر الاحتلال وتؤدي دورها الأمني.
ويبين أنه من المبكر الحديث عن مصير السلطة الآن، لا سيما وأن البعض لازال يعتبرها انجازا تاريخيا للفلسطينيين، فيما يعتقد أطرافا من الفلسطينيين أن السلطة مثلت عبئا كبيرا أمام الشعب الفلسطيني وكانت مثابة عائق أمام طموحاته خاصة من ناحية وقف تغولات الاحتلال الاسرائيلي وتمدده في الضفة والقدس.
ويشير محيسن إلى أن السلطة وفق نظر حلفاء مشروع السلام هي كيان يدير حياة الفلسطينيين وإذا تم تخليص السلطة من التزاماتها اتجاه الاحتلال فإنه لا ضير من بقائها في إطار وطني يدير شؤون الفلسطينيين ويتم مواجه الاحتلال في آن واحد.
ويلفت إلى أنه إذا ما نجحت خطوات المصالحة الفلسطينية، قد تذهب جميع الأطراف إلى الحديث عن وظيفية السلطة ومصيرها وتشكلها القائم.
وشدد على أن قوة الدفع التي قد تفرضها الوقائع على الأرض بعد انعقاد مؤتمر الأمناء العامون في بيروت يمكن أن تتبلور من خلال مشروع عمل يطال بحث مقومات العمل الوطني الفلسطيني سواء التسوية أو الفعل المقاوم، ويمكن الوصول لتصور عام يعيد القاطرة لسكتها الحقيقية وإعادة المسار الوطني الفلسطيني في التعامل مع الاحتلال كعدو وليس شريك.
نبذ الاتفاق
ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أنه على السلطة وقيادتها نبذ الاتفاق ورميه في وجه الاحتلال، وكان الأولى بها أن تلقيه في سلة المهملات منذ سنوات طويلة وتتخلص من تبعياته لو كان لديهم عقل.
ويوضح الصواف في حديثه لـ"الرسالة" أن فريق أصحاب المصالح في السلطة يعملون على التمسك بها، فيما يمكن القول أن الاتفاق لم يحقق شيئا، وإنما فتح الباب امام الدول العربية للتطبيع وشهية الاحتلال للاستيلاء على الأرض وتقزيم وتصفية القضية الفلسطينية.
ويؤكد على ضرورة الحاجة إلى اتخاذ قرار حكيم من الكل الفلسطيني من أجل الخروج مما انتجته اتفاقية أوسلو والعودة إلى حضن الشعب الفلسطيني.
مجحف ومهين
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي ماجد كيالي أنه وبعد 27 عاما على توقيع اتفاق "أوسلو" لم يبق من هذا الاتفاق شيء، سوى وجود سلطة فلسطينية تحت سلطة الاحتلال، هي بمرتبة حكم ذاتي على السكان، من دون الأرض والمعابر والموارد، وخضوع الفلسطينيين في الضفة إلى سلطات ثلاث، الأولى، سلطة إسرائيل، والثانية سلطة المستوطنين، والثالثة السلطة الفلسطينية، وهي الأضعف، بالإضافة إلى حصار قطاع غزة منذ 13 عاما.
ويؤكد كيالي في مقال له، أنه طوال الفترة الماضية، من عمر ذلك الاتفاق المجحف والناقص والمهين، عملت (إسرائيل) على كل ما من شأنه التخلّص من الاستحقاقات المطلوبة منها وفقا للاتفاق المذكور، بل وعلى التحرر من عملية التسوية برمّتها، في سعيها لفرض واقع الاحتلال، وذلك عبر تعزيز الاستيطان، لاسيما في القدس، وتحكمها في المعابر، واتباعها الاقتصاد الفلسطيني لسيطرتها، ناهيك عن إحكام هيمنتها الأمنية والإدارية على الفلسطينيين، وقد فاقم من ذلك بناؤها الجدار الفاصل، الذي بات يقطع أوصال الضفة الغربي