خلف كل إنجاز تعرضه "كتائب القسام" تختفي ملامح الرجل الذي يقود دفتها منذ ثلاثة عقود ويزيد، بقيت صورته خلف الستار طيلة العقود الماضية، لا شيء يعرف عن تفاصيل ملامحه سوى نبرة صوت وبصمات فعل!
مجددا وعلى ضوء ما كشفته "قناة الجزيرة" من إبداع "كتائب القسام" في تصنيع الصواريخ بالقطاع للتغلب على محاصرة إدخالها، تظهر بصمات الرجل مجددا، إلى جانب ظهور بصمات التطور الكبير على أداء الكتائب في السنوات الأخيرة في القطاع، خاصة في ضوء الاهتمام الخاص الذي اظهره قائد حماس في غزة يحيى السنوار لجهة تطوير العمل المقاوم.
"محمد الضيف" أبو خالد، شقّ طريقه الجهاد منذ ثلاثة عقود ونيف، بعد بدء مطاردته منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، لتبدأ بعدها رحلة قيادته لكتائب القسام، متقدمًا بكل مراحلها.
مختصون أمنيون يستعرضون لـ"الرسالة نت" مسيرة "الضيف" وأثر شخصيته في صناعة المتغيرات الاستراتيجية في بيئة المقاومة، وقدرته على مراكمة عناصر القوة والبناء للنهوض بواقع العمل العسكري، إلى جانب دور القائد الكبير يحيى السنوار أبو إبراهيم في تعزيز موقع الفعل العسكري عبر توليه دفة القيادة السياسية في القطاع.
المختص الأمني مهدي أبو حسنين، يشير لـ"الرسالة نت" إلى مراكمة الضيف لمن سبقه في تأسيس العمل العسكري بدءًا من القائد السنوار الذي أنيط به تـأسيس منظمة "الجهاد والدعوة" مجد، ومن خلفه من قيادات العمل العسكري من أمثال الشهيد ياسر النمروطي وغيره القادة.
3 عقود من المطاردة أهدت للضيف قدرة عالية على الإنجاز، فقاد الكتائب في أولى مراحلها بالكارلوا والمسدس والخنجر، كما يلفت أبو حسنين.
ومع عامي92-94، أحدثت الكتائب طفرة في استخدام الأسلحة الرشاشة عبر اغتيال الجنرال ميرتس انتقامًا لاغتيال الشهيد القائد عماد عقل، تلاها تفخيخ السيارات على غرار عملية الشهيد أشرف مهدي قبل دخول السلطة لغزة.
ويلفت أبو حسنين إلى تطور العمل العسكري مع بدء استجلاب السلاح ، بالترافق مع مسؤولية أبو خالد الضيف على عمليات الثأر المقدس ردا على اغتيال القائد يحيى عياش.
ومع عام 99 نجح جهاز الأمن الوقائي في اعتقال أبو خالد في منزل القائد أبو عماد صرصور، قبل أن يتمكن القائد الضيف بالهرب من المعتقل عام 2000 بعد استهداف مقر الوقائي في محاولة لاغتياله.
ومع خروج الضيف، أنيط به قيادة الجهاز العسكري للكتائب في فلسطين، ثم استلم الراية الشهيد صلاح شحادة، لتعود إلى أبو خالد مجددا بعد اغتياله، نجح خلالها الضيف مع شحادة في انشاء الجيش الشعبي على غرار التجربة الفيتنامية، مع اندلاع الانتفاضة الثانية قبل أن يدمج مع الكتائب، بحسب أبو حسنين.
من الضيف؟
محمد الضيف بقي طلية هذه السنوات مجهول الهوية والصورة، لكنه لم يغب عن المحقق الخاص الإسرائيلي مسؤول المعسكر الغربي في خانيونس، الذي تنبأ بقوة شخصية أبو خالد عندما جرى اعتقاله 89، وقد أقر واعترف بعناده وقوة شخصيته.
نجح الرجل في قيادة الكتائب من عمليات الكر وصولا لاستراتيجية الاقتحام للمستوطنات، وليس أخيرا في تحويل الكتائب إلى جهاز عسكري يجمع بين صفة الجيش النظامي وحرب العصابات، كما يشير أبو حسنين.
وعمل الضيف على مأسسة الكتائب لتضم مجموعة من الأسلحة والتخصصات والهيئات واللجان.
الرجل الاستراتيجي
ويستشهد أبو حسنين بتصريحات القائد أبو إبراهيم السنوار، الذي نقل فيها رسالة من أبو خالد الضيف للجمهور الفلسطيني عن عدد رشقات صواريخ القسام، "فهذا يعطي دلالة على متابعة وقيادة أبو خالد للعمل العسكري، رغم حالة الغموض التي تكتنف الرجل "الذي لن يتكرر كشخصية فلسطينية بارعة في التاريخ الفلسطيني".
هنا يقول الباحث العسكري د. رفيق أبو هاني، إن ما كشفت عنه كتائب القسام من عمليات نوعية، يشير إلى وجود مؤسسات وهيئات يقف خلفها الضيف، "ويعني أن الرجل يقود الكتائب وفق عمل مؤسساتي سمح للكوادر والطاقات بالكتائب الانطلاق بالتفكير التكتيكي والاستراتيجي".
وأضاف أبو هاني لـ"الرسالة نت" أن "سنوات المطاردة منحت الضيف خبرة عالية في تنظيم العمل وفتح قنوات متخصصة تفتح الطاقات والتخصصات لكل فرد في الكتائب، وأرفد القسام بقيادة عملياتية استراتيجية تستطيع أن تهضم الميدان والمتغيرات".
وعلى ضوء التطور العملياتي للقسام، فإن هذا يظهر حضور للرجل وتأثير في رسم سياسات الكتائب بل والوصول إلى أدق التفاصيل في العمل والمتابعة بشكل حثيث؛ "فالرجل قدم دفعة ومعنويات عليا للشعب الفلسطيني ولمقاومته".
دعم السنوار
في السياق، يشير المختصون إلى الدور الريادي الذي يقف خلفه القائد يحيى السنوار رئيس حماس في غزة، في تطوير العمل العسكري، خاصة وأنه مثل الجهاز العسكري في المكتب السياسي لحماس، قبل أن يترأس الحركة أخيرا.
"مزج القائد السنوار بين العمل العسكري والسياسي ومرجعيته العسكرية وعلاقته التنظيمية والاجتماعية بالضيف، ودوره في تأسيس الجهاز العسكري "كل ذلك يشير إلى حرفية سياسية شكلت شخصية عبقرية له"، كما يقول أبو حسنين.
وساهمت شخصية الرجل في براعة إدارته للقطاع، كما أنه يؤثر العمل العسكري ومراكمة القوة، وهو يشير إلى دوره المناط به في تطوير العمل العسكري خلال السنوات الأخيرة.
من جهته، يشير أبو هاني إلى أن المرجعية العسكرية للسنوار ومسؤوليته وقيادته للملف العسكري خلال السنوات الماضية، ساهم في تشكيل دفعة قوية جدا.
وأوضح أن تطوير العمل أصبح واضحا في بصماته بعد خروج السنوار من المعتقل.