لم يدر في خلد بريطانيا يوم أن قررت عام 1915 إنشاء السفينتين الحربيتين HMSو M15، أنهن ستكونان يوما ما سلاحا استراتيجيا في يد المقاومة الفلسطينية، تضرب به (إسرائيل) التي أوجدتها قبل قرن من الزمان تنفيذا لوعد بلفور.
كان هدف بريطانيا من إنشاء السفينتين قصف شاطئ مدينة غزة فيما عرف بمعركة غزة الثالثة التي خاضتها بريطانيا ضد الدولة العثمانية وحلفائها، وذلك بعد فشل المعركتين السابقتين في السيطرة على المدينة العنيدة، إلا أن الدفاعات العثمانية والألمان تمكنوا من استهداف السفينتين وإغراقهما قبالة سواحل وسط قطاع غزة.
وبدلا من أن تقصف القذائف المحملة في السفينتين مدينة غزة، باتت المقاومة الفلسطينية تقصف بها مدن الاحتلال (الإسرائيلي) على امتداد الأرض المحتلة بعد مائة عام، ليدور الزمان على الاحتلال ويرمى بسلاح حلفائه الأوائل.
وفي نظرة سريعة إلى إمكانيات السفينتين فإن لكل واحدة منها مدفع رئيسي بقوة 9.2 بوصة، ومدفعا بوزن 12 عقدة وآخر مضاد للطائرات بوزن 6 أرطال، فيما تم تجهيزها بمحركات بخارية ثلاثية التوسيع بقوة 800 حصان ما سمح لها بسرعة قصوى تبلغ 11 عقدة في الساعة، فيما يتكون طاقم المراقبة من تسعة وستين ضابطا ورجلا.
وتم طلب بناء HMS M15 في مارس 1915، كجزء من برنامج طوارئ الحرب لبناء السفن، ووضعت في حوض بناء السفن ويليام جراي في هارتلبول، وتم إطلاقها في 28 أبريل 1915، وخلال الحرب العالمية الأولى تم سحب M15 إلى مالطا في يوليو 1915، حيث حصلت على تسليحها الرئيسي، ثم انتقلت إلى مدرس ، وشاركت لاحقًا في الدفاع عن قناة السويس.
بعد قصف غزة كجزء من معركة غزة الثالثة، في 11 نوفمبر 1917، تم نسف M15 والمدمرة HMS Staunch بواسطة UC-38، وفقد 26 رجلاً حياتهم في غرق M15
وبالأمس أعلنت كتائب القسام، الذراع المسلح لحركة حماس، عن العثور على كنز عسكري ثمين في عمق بحر مدينة غزة من خلال وحدة الضفادع البشرية، فيما أوضح القائد في سلاح الهندسة بكتائب القسام "أبو سلمان"، خلال لقاءه في برنامج ما خفي أعظم على قناة الجزيرة، أنه "عناصر الضفادع البشرية عثروا على مئات القذائف كانت على متن سفينتين حربيتين بريطانيتين غارقتين قبالة ساحل غزة وأعادت الكتائب تصنيع هذه القذائف ضمن صواريخها".
وقال: "قمنا بفحص القذائف البريطانية التي عثرنا عليها في عمق البحر بعد إعادة تدويرها على يد كتائب القسام"، مضيفا: "أجرينا تجربة على سقف إسمنتي مسلح بسمك 40 سم، وكانت النتيجة تدمير الهدف بالكامل".
وفي التعقيب على ما سبق، يقول الخبير في الشؤون العسكرية رفيق أبو هاني إن ما كشفت عنه كتائب القسام بالأمس، يمثل إنجازا عسكريا استراتيجيا، وصدمة حقيقية للاحتلال الإسرائيلي، وجزءًا من الحرب النفسية لرفع معنويات شعبنا الفلسطيني في ظل حالة الهرولة للتطبيع من الدول الخليجية.
وأضاف أبو هاني في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أنها ليست المرة الأولى التي تصنع فيها سلاحا أو ذخيرة محليا مما يلقيه الاحتلال من الجو أو ما تخفيه الأرض، لتؤكد أنه مهما حاول الاحتلال وأعوانه إغلاق الحدود والسدود، فإن المقاومة تستطيع بجهودها صنع الفرص والبحث عن كل ما يدعمها محليا.
وأوضح أن المقاومة استطاعت الاستفادة من كل شيء خلفته الحروب السابقة بدءًا من الحرب العالمية الأولى فالثانية وحرب 1956 و1967 وحروب غزة 2008 / 2012 / 2014، وطوّعت جميع ما سبق إلى أدوات تمكنها من تطوير نفسها في مقاومة الاحتلال.
وبيّن أن المقاومة ترفع معنويات الجبهة الداخلية بهذه المعلومات التي كشفت عنها برغم احتفاظها بها منذ سنوات، لمواجهة الضغط النفسي الناجم عن الهرولة في قطار التطبيع مع الاحتلال، ولتأكيد الثقة بالمقاومة المسلحة بأنها قادرة على الاستمرار في عملها ونشاطها برغم المؤامرات.