دافع الشاعر العربي الكبير حافظ إبراهيم؛ الذي توفي في فبراير من العام 1932م عن اللغة العربية الجميلة عندما بدأت الدعوة للهجة العامية بجمهورية مصر العربية، حيث نظم قصيدة جميلة في مبناها عظيمة في معناها، جاء فيها:
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
وبعيداً عن القصيدة الجميلة ومناسبتها العظيمة وناظمها الشاعر الموقر والكبير؛ أنتقل لأحشاء بحر غزة الذي يجود علينا بخيراته؛ واليوم نتوقف في هذه السطور عند خيرات من نوع آخر، إنها ليست كائنات حية ولا مأكولات بحرية لذيذة الطعم نستخدمها كزاد للجسد؛ بل هي خيرات بمثابة الغذاء للروح؛ ولا شك أن روحنا كشعبٍ فلسطيني هي المقاومة.
اليوم نحن أمام انجاز أشبه بالمعجزة؛ إذ يغوص رجال غزة في أعماق بحرها باحثين عن كنوز البحر وخيراته ليستخرجوا من باطنه صيدهم الثمين وهو عدد كبير من القنابل والقذائف التي انتشلوها من بين حطام سفينتين حربيتين بريطانيتين كانتا قد غرقتا قبالة غزة أثناء الحرب العالمية الأولى وتحدياً في العام "1917م"، وأمام هذا الإنجاز نسجل الملاحظات التالية:
أولاً: الغواصون الأبطال غير مزودين بمعدات حديثة وليس لديهم إمكانيات متطورة تأهلهم لمثل هذا الإنجاز، ولم يكونوا يعلموا بوجود حطام السفينتين أصلاً أو على الأقل مكانهما واحداثيات وجودهما بالتحديد بالإضافة لطبيعة حمولتهما وهل ما زالت تلك المحتويات صالحة للاستخدام أم لا؟.
ثانياً: الاحتلال يلاحق صيادي غزة علاوة على رجال مقاومتها ولا يسمح لأيٍ كان أن يبحر خارج المسافة البحرية المسموح بها وهي في أحسن حالاتها لا تتجاوز الـ "15" ميلاً بحرياً، وهي مسافة غير كافية لاكتشاف مثل هذا الكنز الثمين.
ثالثاً: معلوم أن الاحتلال لديه الإمكانيات والأجهزة والسفن الحربية التي تمكنه من استخراج هذا الحطام ليس لجاجتهم إليه بل منعاً لوصوله ليد المقاومة؛ فماذا منعهم من ذلك؟ وعلى مدار "100" سنة أو يزيد.
رابعاً: الاحتلال يفرض حصاراً مشدداً على غزة من كل الجوانب براً وبحراً وجواً؛ امعاناً في الحصار والتنكيل وبحجة منع وصول السلاح والذخائر لمقاومتها البطلة وسعياً لتحجيم وتقزيم قدراتها المختلفة.
خامساً: الاحتلال شن على غزة عدة حروب واستهدف خلالها المقاومة بشكل عنيف ومستمر وهو يعتقد أنه أفقدها كثيراً من ذخيرتها واحتياطاتها الاستراتيجية؛ وبالتالي أضعف قدراتها العسكرية.
سادساً: جهود القوى الإقليمية واضحة في محاربة غزة والتضييق على مقاومتها وسعيهم نحو قطع خطوط امدادها وتجفيف منابعها بكل قوة وقد سخروا لذلك الأموال والرجال والعتاد والأجهزة المتطورة والمعدات الحديثة.
وفي النهاية: وبعد كل الأسباب سالفة الذكر تحقق المقاومة هذا الإنجاز باستخراج القذائف وإعادة تدويرها واستخدامها أيضاً في مجابهة العدو وقصف مواقعه؛ فليس لهذا أي تفسير سوى أن نقول:" إنها معية الله وتوفيقه الذي يحوط غزة ورجالها الصادقين ومقاومتها البطلة من كل جانب وعلى مدار الساعة".
وهذا يؤكد للجميع بأن المقاومة البطلة إنما هي الفئة المنصورة التي يصنعها الله على عينه لتسوء وجوه الاحتلال وأعوانه؛ ولا عزاء لمن يلهث خلف سراب التطبيع مع الاحتلال ظاناً فيه الفائدة وليس في طياته سوى تخريب عواصم المطبعين من قبل شذاذ الأفاق الذين ما دخلوا قرية إلا أفسدوها؛ وحينها لا ينفع الندم.