لعبت النرويج دورا مهما في إرباك إسرائيل اقتصاديا وتشويه مناخ الاستثمار بها، والضغط عليها سياسيا ودبلوماسيا منذ انطلاق الحرب الإجرامية على قطاع غزة؛ فعلى الرغم من أن النرويج كانت في مقدمة الدول التي اعترفت بإسرائيل في 4 فبراير 1949، وأقامت علاقات دبلوماسية متميزة مع تل أبيب في ذلك العام، إلا أن موقفها من الحرب كان متميزا من حيث التصدي للهجمات الإسرائيلية الشرسة ضد أهالي غزة في المحافل الدولية، وتوجيه انتقادات لاذعة لمواقف وسلوكيات حكومة نتنياهو المتطرفة وجيش الاحتلال، وتأكيدها المستمر لتجاوز إسرائيل قواعد القانون الدولي الإنساني وممارسة جرائم إبادة جماعية في الحرب، وانتقادها للموقف الدولي المتخاذل والمساعدات الإنسانية البطيئة والمحدودة التي تصل إلى القطاع.
ومنذ انطلاق الحرب كانت النرويج في مقدمة الدول الأوروبية دعماً للقضية الفلسطينية، ففي 28 مايو الماضي اعترفت هي وإسبانيا وأيرلندا رسميا بدولة فلسطين، ما رفع عدد الدول المعترفة بها إلى 148 من أصل 193 دولة أعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة. ورداً على تلك الخطوة، ألغت إسرائيل اتفاقية كانت تُحول بموجبها أموال الضرائب الفلسطينية المعروفة بـ"المقاصة" إلى العاصمة أوسلو.
والنرويج هي أول بلد أوروبي يعلن عزمه اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، في حال صدور أمر باعتقالهما من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى المستوى الاقتصادي، كان موقف النرويج متميزا؛ فقد أعلن الصندوق السيادي النرويجي، أكبر صندوق سيادي في العالم، أنه سيتخذ خطوات جدية لسحب استثماراته من إسرائيل، والبالغة قيمتها 1.36 مليار دولار موزعة على 76 شركة وبنكاً، وأرسل مجلس الأخلاقيات التابع للصندوق خطاباً في 30 أغسطس الماضي إلى وزارة المالية النرويجية، يتعلق بقرار التخلص من أسهم الشركات العالمية والإسرائيلية التي تدعم الكيان في حربه الدموية على الشعب الفلسطيني. وسبق للصندوق الحكومي أن سحب استثماراته من شركات مرتبطة بإسرائيل أو عالمية تعمل داخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
لم يتوقف الأمر على ذلك، فقد أعلن صندوق نرويجي ثانٍ هو صندوق المعاشات التقاعدية كي أل بي KLP، إقدامه على خطوة مماثلة وسحب استثماراته من 16 شركة بسبب علاقاتها بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة، وهذه خطوة مهمة نظراً لأهمية الصندوق في سوق الاستثمار العالمي، حيث إن لديه استثمارات ضخمة في العديد من الدول، وأصولاً بقيمة 95 مليار دولار.
وهناك توقعات بسحب مؤسسات مالية نرويجية أخرى استثماراتها من بنوك وشركات إسرائيل وبورصة تل أبيب، خاصة مع تعرّضها لضغوط شديدة من قبل البرلمان النرويجي ومنظمات غير حكومية داخل هذه الدولة الأوروبية تطالبها بسحب الاستثمارات بالكامل من هناك.
ورغم الهجمة الإسرائيلية والغربية الشرسة ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ووقف التمويل الأميركي والأوروبي المقدم لها، إلا أن النرويج واصلت دعم المؤسسة، بل وأعلنت أنها ستقدم نحو 10 ملايين دولار كمساعدة إضافية للوكالة، وهو ما جعلها في دائرة استهداف حكومة نتنياهو.
وعلى المستوى الإنساني، أعلنت حكومة النرويج أن الدولة ستستقبل مرضى وجرحى من قطاع غزة لتلقي العلاج في المستشفيات.