قال كاتب (إسرائيلي) إن "مرور عشرين عاما على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية أظهر كم أن (إسرائيل) واجهت تهديدا استراتيجيا، لكنها بدلا من مواجهته، والتصدي له، فإن الإسرائيليين انشغلوا بتمزيق أنفسهم إربا إربا، لأن شيئا هائلا وفظيعا حدث فيها".
وأضاف آرييه شابيت في مقاله بصحيفة "مكور ريشون"، أن "الأمر حينها لم يقتصر على جولات من المواجهات المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، ولا على اشتباك محدود في واحدة من الحدود المتوترة مع (إسرائيل)، بل دار الحديث حينها عن عملية هجومية شاملة، وكأن الحرب اندلعت في جميع أنحاء (إسرائيل)، إنها الحرب على الأرض، من خلال ما باتت تسمى الانتفاضة الثانية".
وأكد شابيت، أحد أهم المحللين السياسيين (الإسرائيليين)، والرئيس السابق لرابطة حقوق الفرد، ويكتب بصورة دورية في صحف عبرية ودولية، "حينها لم أتفاجأ من اندلاع الانتفاضة، لأنني منذ سبتمبر 1993 قدرت أن عملية أوسلو ستؤدي إلى انفجار فلسطيني هائل، لم أكن أعرف متى وكيف سيحدث، لكن كان واضحا أنه أمر لا مفر منه، قلقت لأن لدي مخاوف عميقة حول قوة المجتمع الإسرائيلي، ومدى حصانته".
وتابع: "مع اندلاع الانتفاضة الثانية تذكرت كيف أفرغت تل أبيب عندما أصابتها صواريخ سكود التي أطلقها صدام حسين في حرب الخليج الأولى 1991، وشاركت شعور إسحق رابين بأن جيل أحفاده لا يتمتع بالمرونة والتصميم اللذين كانا لدي مقاتليه في 1948، ولم أقلل من شأن خطاب حسن نصر الله في بنت جبيل عام 2000، حين وصف المجتمع الإسرائيلي بـ"بيت العنكبوت".
وأوضح أن "الانتفاضة الثانية كشفت حقيقة حول مدى امتلاك المجتمع الإسرائيلي لمخزون القوة الداخلية لمواجهة تحد أمني لم يعرفه منذ ربع قرن، لأن رد فعله بين 2000-2005 جاء ساحقا، يوما بعد يوم، أطلقت الرشاشات الفلسطينية النار على مستوطنة غيلو قرب القدس، وليلة بعد ليلة، شق مسلحو حماس طريقهم إليها، وتعطلت المدينة، وتوقفت الحياة فيها".
وأكد أنه "شهرا بعد شهر، فجر الفلسطينيون أنفسهم بمراكز التسوق والمقاهي والنوادي الليلية، وتوقفت في إسرائيل الحياة الاستهلاكية، وجولات المتعة، حتى جاء أريئيل شارون وشاؤول موفاز وموشيه يعلون وآفي ديختر، وشنوا حملتهم الدموية ضد الفلسطينيين، فيما واصلت العائلات الإسرائيلية تعيش مع كوابيس العمليات الفلسطينية، وقد باتت إسرائيل تعيش تحت نيران متواصلة، وتحولت الحياة فيها لمشهد سريالي من روتين الدم".
وأضاف أن "سنوات الانتفاضة الثانية أودت بحياة 1060 إسرائيليا، فيما أودى هجوم فيروس كورونا حتى الآن بحياة 1600 آخرين، ومرجح أن يودي بحياة آلاف آخرين، وفيما أدت الانتفاضة الثانية إلى خفض معدل نمو الاقتصاد لما دون الصفر، ورفعت معدل البطالة إلى 10.7 بالمئة، فقد خفضت حرب كورونا معدل نمو الاقتصاد إلى 7.5 بالمئة تحت الصفر، ورفعت معدل البطالة إلى نحو 2 بالمئة".
وأشار إلى أن "اللوم في كل هذا التراجع الذي نواجهه اليوم أمام هذه التحديات يقع على بنيامين نتنياهو، الذي يقودنا منذ أحد عشر سنة، وقد بنى حكمه على سياسة تقسيم للهوية وسياسة أحادية البعد، دون شراكة، أو وحدة، ولا ضمان متبادل، بل ازدراء عميق لمؤسسات الدولة، ومارس سحقا يوميا لإسرائيل ذاتها، مع أن اللوم ليس فقط على نتنياهو، بل على جميع الإسرائيليين الذين أدمنوا ما نصفه بـ"الأمركة السامة".
وشرح قائلا إن "اليسار الإسرائيلي استورد من الولايات المتحدة الصواب السياسي المدمر، ومن اليمين استورد الترامبية البغيضة، وبصورة مشتركة قام اليمين واليسار في إسرائيل بتدمير منهجي لروح ديفيد بن غوريون التي أسست إسرائيل، ولم يستبدلاها بروح أخرى، وبذلك فقد تمكنا معًا من إضعاف إسرائيل بشكل كبير، وفي نفس الوقت أوهمنا أنفسنا بأن إسرائيل قوية".
وختم بالقول إن "إسرائيل وصلت أخيرا إلى هنا، إلى مكان تواجه فيه تهديدًا وجوديًا واحدًا، وهو التهديد الداخلي، إلى مكان يحتاج فيه الإسرائيليون أن يبدأوا في جمع الشظايا، وإصلاحها، وإعادة بناء إسرائيل، إن استطاعوا ذلك".
عربي 21