المشاركة في افتتاح موسم الزيتون في خزاعة شرق خان يونس كان هذا العام له طعم آخر، ففعالية الافتتاح كانت قريبة من الجدار الفاصل مع فلسطين المحتلة عام 1948، في منطقة كانت تشهد إلى فترة قريبة فعاليات مسيرة العودة التي انطلقت في الثلاثين من مارس عام 2018، وكان نصيب محافظة خان يونس من شهدائها 60 أغلبهم ارتقوا في مكان قريب من أشجار الزيتون التي يتم قطافها هذا اليوم.
لون دماء شهداء العودة التي روت أرض خزاعة الذي داعب مخيلتنا عاد بنا أيضاً إلى سنوات أخرى وتحديدا في صيف 2014 عندما شن الاحتلال عدوانه الذي نال من القرية الصغيرة الوادعة حيث باغتت قوات الاحتلال خزاعة ومقاومتها من الجهة الجنوبية –غير المتوقعة- وحاصرت البلدة وارتكبت بحق أهلها مجزرة كبيرة وتشبعت أرضها بدماء غزيرة روت أشجار زيتونها بعد استشهاد أكثر من 90 من أبنائها.
وفي أرض المزارع راضي أبو ريدة، حيث افتتحت وزارة الزراعة الموسم، كان واضحا أنه بمثابة عرس وطني.
قال رئيس بلدية البلدة شحدة أبو روك إن هذه الأرض تحديداً جرى قلع أشجارها ثلاث مرات تقريبا من قوات الاحتلال وجرافاته كان آخرها خلال عدوان 2014، وأن أشجارها الجديدة مزروعة من 8 سنوات فقط.
وهكذا، يبدو أن إصرار المزارع الفلسطيني على إعادة زراعة أرضه بأشجار الزيتون يعبر عن مدى تمسكه بها وبوطنه الذي سرق الاحتلال جزءاً كبيراً منه، ولا يزال يحاصر الباقي.
ومع ذلك فإن أرض غزة تنتج الكثير من الخيرات، ومن بينها الزيتون والزيت، فوزارة الزراعة، بحسب وكيلها الدكتور إبراهيم القدرة، قدرت المساحات المزروعة المثمرة من الزيتون في القطاع بما يزيد عن (٣٣ ألف دونم)، ومن المتوقع أن تنتج ما يقرب من (٢٣ ألف طن) من الزيتون، منها (7 آلاف طن) تقريبا للتخليل و(16 ألف طن) للعصر، حيث يبلغ الانتاج الكلي من زيت الزيتون ما يقارب (3 آلاف طن)، ومع ذلك فإن هذا الإنتاج خاصة من الزيت يساهم بما نسبته من 55-60% من حاجة القطاع (الأرقام تقريبية).
ومن الواضح أن محصول الزيتون وما ينتجه من زيت تأثر سلبا بشكل كبير من الاعتداءات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية من تجريف وتدمير لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية أغلبها كانت مزروعة بأشجار الزيتون، هذا الاستهداف المباشر يدفع المرء إلى الشعور بأن الإسرائيليين يكرهون هذه الشجرة المباركة! وذلك بالرغم من أن أغصانها تُتَخذ رمزا للسلام، ورفعها المتحمسون للتسوية من الفلسطينيين في يوم من الأيام بأيديهم مقابل جيبات الاحتلال العسكرية.
والذي يدفع للتساؤل أكثر: هل ذلك الكره نابع من أن هذه الشجرة جزء من تراث الفلسطيني الذي يذكره بحقوقه؟ أم إنهم يتهمونها بأنها تحمي المقاوم الذي يتخفى وراء جذوعها وتحميه أغصانها من رصد الطائرات المسيرة أوقات المواجهة؟
في خزاعة وكما كل فلسطين فإن الزيتون والزيت ليسا طعاماً فحسب، بل يمثلان قيمة تتجاوز ذلك بكثير، وقطف الثمار الناضجة ليس عملاً شاقاً بل هو موسم له عاداته وتقاليده بل تراث متكامل، يشارك في أيام قطافه، أو ما يطلقون عليه "جَدّ الزيتون"، الرجال والنساء والشباب والصبايا والأولاد، يصطحبون معهم طعامهم وشرابهم.
وبينما يغني الشباب وينتظمون في صفوف لأداء فقرات من الدبكة الشعبية، تقوم النساء بخبز الصاج على النار لتناوله ساخناً مع زعتر وزيتون وزيت بلادنا.
في فعالية وزارة الزراعة عشنا أجواء من تراث قطف الزيتون ومحاكاة الواقع التي أجادها أهل خزاعة، خاصة أنها جرت بالقرب من السياج الفاصل عندما تهب عبير نسمات بلادنا من الداخل ورائحة هوائه العليل.
لكن الفلسطيني مثخن بالجراح وكل بقعة في أرضه تذكره بوقائع العدوان وسرقة الأرض ولا يمكن أن ينسى حينها ما وقع في ذلك المكان.