قائمة الموقع

مقال: الوعى الاستثنائى فى فكر د. فتحى الشقاقى

2020-10-28T11:09:00+02:00
احمد المدلل.PNG
بقلم: د. أحمد المدلل القيادي في حركة الجهاد الإسلامي

ما كان د. فتحى الشقاقى نبياً  أو ساحرا أو كاهناً ، وإنما كان ملهما وهبه الله ملكات نادرة ... شاب (١٩٥١ - ١٩٩٥) ذو همة عالية يجللها الإيمان والقيم الدينية  التى حث عليها النبى محمد صلى الله عليه وسلم ... قرأ السيرة النبوية المحمدية بوعي حركي. كنا نشعر أنها  تدفعه بثقة واصرار دون تردد بالرغم من وعورة الطريق وضعف الامكان وقلة النصير.

بدأت فكرة "الجهاد الأسلامى" تتبلور لديه من خلال دراسته الواعية وتأملاته الثاقبة فى آيات القرآن الكريم وتفسيراته  وقيمه الايمانية والتعبدية والروحية كما أبحر فى قراءة  سنن التاريخ من خلاله، ومن آيات الانفال وبراءة والاسراء والحشر والمطففين وغيرها من السور التقط الزاد الذى يضمن له صوابية المسار من أجل تحقيق الهدف.

 درس العلوم الكونية وتاريخ الامم والشعوب والحضارات بوعى منقطع النظير، سلّط ضوء بصيرته باتجاه تاريخ  الامة الاسلامية وخطّ لها منحنى الهبوط والصعود، وكان متميزا فى شرحه لنا على السبّورة مستحضراً كتابات ابن خلدون ومالك بن نبى وسيد قطب  وعلي شريعتي وغيرهم من فقهاء الفلسفة والفكر والتاريخ، لكنه تميز عنهم أنه ابن عصرنا الذى نحياه سوياً.

حارب العلو الاسرائيلى بكل ما أوتي من قوة ووعي وإرادة ليحافظ على مركزية فلسطين  فيما جيوش وأنظمة تسعى راكعة وذليلة لإرضاء أمريكا و(إسرائيل) وبيع فلسطين بثمن بخس بعد أن قادوا الأمة نحو هزائم متكررة أمام عصابات اليهود. حاول احياء المشروع الحضارى حتى تنهض الامة من جديد.. هزم بفكره ودمه سيف الصهاينة.. استشرف هشاشة أنظمة الحكم العربية منذ هزيمة ال٦٧ وأدرك أن هيجانها جعجعة وجيوشها فقط لقمع الشعوب وانحراف بوصلتها عن فلسطين.

منذ اعلان الملك فهد  عام١٩٨١م الذى يمثل بداية الانهيار والقبول بصنع السلام والاعتراف بدولة الاحتلال الصهيوني مقابل انسحابها من أراض احتلتها عام ١٩٦٧م استشعر خطورة ما سيصيب القضية الفلسطينية من تراجع بعد ذلك على المستوى الفلسطينى والعربى، وأن العدو الصهيونى سيأخذ كل شئ وسيُبقي كانتونات صغيرة يعيش فيها الفلسطينيون وأن الدور الذى سيقومون به لن يتجاوز مهام الطبيب والشرطي والخباز.

وفى عام ١٩٨٢م عندما تعرضت بيروت للغزو الصهيوني ومحاصرة منظمة التحرير طالب أبا عمار حينها بعدم الخروج من بيروت لأنه سيكشف ظهر المخيمات الفلسطينية هناك، وبعد أن خرج مقاتلو منظمة التحرير أُرتكبت أفظع المجازر، مما دفعه للكتابة عن "فتح من الانطلاقة الى البقاع" سفر الخروج، وبداية انهيار منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ينطلق فى كل ارجاء فلسطين يطرح الفكرة التى لم تكن مجرد تنظير بل تمثلت فعلاُ جهاديا على الارض من خلال تشكيل الخلايا العسكرية والاستفادة من خبرات عسكرية انتمت للثورة الفلسطينية من قبل وبقيت مرتبطة وطنيا بالعمل الفدائي على الارض الفلسطينية حيث اقتنعت بفكرة الجهاد الاسلامى وانتمت اليها ونفذت عمليات عسكرية فى الضفة والقدس وغزة فى بداية الثمانينات.

ولنا نماذج حية تعيش بيننا من أسرى تحرروا فى صفقة شاليط الأخ احمد ابو حصيرة والأخ محمد الحسني وابطال عملية باب المغاربة وأبطال الهروب الكبير القائد الشهيد مصباح الصوري وابطال عملية الشجاعية الشهداء سامي الشيخ خليل وأحمد حلس ومحمد الجمل وزهدي قريقع، ومن ثم كانت "ثورة السكاكين" ومن ابطالها خالد الجعيدي ونضال زلوم ومحمد ابو جلالة.

منذ بدايات انتشار فكرة الجهاد الاسلامي فى فلسطين لم تغفل المخابرات الصهيونية عن خطورة طرحها على دولة الكيان وأذكر انها تدخلت بقوة اكثر من مرة لمنع صلاة العراء التى كانت تدعو اليها الحركة الأعوام ٨١ و ٨٢ و ٨٣ في رفح وغزة وجباليا وكانت تطارد القائمين عليها وتبعث استدعاءات لهم لمقابلة الحاكم العسكري، واعتقال العشرات ممن انتموا للحركة عام ٨٣ فيما سُمّى حينها بضربة الطليعة الاسلامية المجلة التى أصدرتها  الجهاد الاسلامي وكانت توزع فى الضفة والقطاع والقدس وفي المؤسسات والجامعات والمدارس والنوادى والتجمعات الشبابية وتم اعتقال الدكتور فتحى حينها وحُكم عليه بالسجن احد عشر شهرا وأعيد اعتقاله عام ٨٦ بعد اعتقال مجموعات عسكرية تابعة للجهاد وحُكم عليه بالسجن الفعلي أربع سنوات وخمس سنوات مع وقف التنفيذ.

واصلت الحركة نشاطاتها الثقافية والدعوية والعسكرية فى كل أنحاء فلسطين وظهرت بصمتها  قوية فى اشعال انتفاضة ١٩٨٧ انتفاضة الحجارة التى فجرت المكنون النضالى لدى الشعب الفلسطينى بكافة فصائله وفئاته وشرائحه، الى ان تم ترحيل الدكتور فتحي الى لبنان فى اغسطس عام ١٩٨٨م وتوسعت بعدها آفاق العمل الحركى خارج فلسطين بنسج علاقات وتحالفات على مستوى الوطن العربى والاسلامى. وقبل ان تؤتي الانتفاضة ثمارها تم الالتفاف عليها باتفاقيات أوسلو التى دمرت  المشروع الوطنى الفلسطينى وأنهت دور منظمة التحرير الفلسطينية التي ذابت مؤسساتها فى سلطة اوسلو وما زاد الطين بلة انقسام سياسي حاد فى الساحة الفلسطينية وبدلاً من محاربة الاحتلال تجذر العداء بين السلطة والمقاومة وسفك الدم الفلسطيني بالبندقية الفلسطينية التى عملت حارساً للاحتلال، وبالرغم من قتل واعتقال كوادر حركة الجهاد من أجهزة سلطة اوسلو إلا أن الدكتور فتحي رفض بشكل قاطع ان يستخدم سلاح الجهاد فى سفك دم فلسطيني وطالب أتباع الحركة ومجاهديها بالعض على الجراح  وابقاء السلاح موجها الى صدر الاحتلال الصهيونى فقط.

أدرك الدكتور فتحى خطورة اتفاقية اوسلو على الفلسطينيين واعتبرها المأتم للقضية الفلسطينية مما دفعه لتصعيد وتيرة العمل العسكري ومحاولة نسف اوسلو من اساساته بعمليات عسكرية واسعة وبكافة اشكالها فى كل أنحاء فلسطين وقد توّج العمل العسكري بعملية بيت ليد البطولية فى الثانى والعشرين من يناير عام ١٩٩٥م، التى طيّرت احلام الساسة والعسكريين والمجتمع الصهيوني وضربت المنظومة العسكرية والامنية الصهيونية وقضّت مضاجعهم حينما استهدف الشهيدان صلاح شاكر وأنور سكر بتخطيط دقيق وإقدام الأبطال تجمعاً عسكرياً صهيونياً ينطلق الضباط والجنود الصهاينة من خلاله الى مراكز قوات الاحتلال فى مناطق ال٦٧ ليمارسوا جرائمهم ضد أبناء شعبنا فى الضفة والقدس، وقُتل فى العملية ٢٢ جندياً وضابطاً صهيونيا فيما جُرح ١٠٨ آخرين.

لقد أدرك الصهاينة حينها الخطر الكبير الذي يمثله فتحي الشقاقي على (دولة إسرائيل) وتحركت الاجهزة الامنية الصهيونية بنشاط منقطع النظير للعمل على التخلص من زعيم الجهاد الاسلامي الذى قال عنه زئيف شيف مراسل الشؤون العسكرية فى صحيفة هآرتس "لقد قتلنا الشقاقي دفاعا عن (دولة إسرائيل) حيث قرأنا فكر الشقاقي من رأسه حتى  أخمص قدميه ووجدنا أننا لا نلتقي معه لا فى أول الطريق ولا فى المنتصف ولا فى نهاية الطريق؛ لأنه يمتلك رؤية واحدة فقط كيف يمحو (إسرائيل) لذلك قررنا التخلص منه" لم يغب عن بال الدكتور فتحي لحظة أن الاحتلال يلاحقه وان الشهادة تنتظره فى كل لحظة، عندما سأله صحفي بعد عملية بيت ليد ان كان خائفا من الموت.. رد عليه الدكتور رحمه الله: انني عشت أكثر مما أتصور.  

وفى مالطا كان محط الشهادة والارتقاء يوم ٢٦/١٠/١٩٩٥ ، ترجّل الفارس عز الدين، ليخط بدمائه مرحلة جديدة فى تاريخ حركة الجهاد الاسلامي أقوى مما تصوره قادة الاحتلال الصهيوني.

اخبار ذات صلة