قائد الطوفان قائد الطوفان

"بلال رواجبة " .. قفزة إلى النور في نهاية النفق! 

"بلال رواجبة " .. قفزة إلى النور في نهاية النفق! 
"بلال رواجبة " .. قفزة إلى النور في نهاية النفق! 

 الرسالة نت -  رشا فرحات    

 دعونا نهنئ بلال قبل أن نكتب عنه، نهنئه من الوقوع أكثر في جحيم الدنيا، فقد كتبنا كثيرا كلمات رثاء على أرواح تحلق وهي على الحاجز، كانت تفكر قبل دقائق في تلك الأشياء الاعتيادية التي كنا نفكر بها، في حلم العودة إلى البيت، في سر طبخة الأم، في مصروف الغد، في حلم كان يقف على عتبة الباب، بين قدميه وبين الوصول خطوتين.

ثم تأتي رصاصة المحتل، فتقطع كل حبال الفكر، وتغير مجرى الحكاية، وفوق كل هذا تصادر الجسد ليتذوق مرارة الأسر في ثلاجة عدوه وحيدا، يتحول لقطعة لحم مجمدة، إلى أجل آخر، دون أن يلقي عليه أحد نظرة الوداع الأخير، ولا قبلة الجبين الأخيرة، ولا حتى أمنية بنوم هادئ.

ضابط أمن لدى السلطة، يغير مجرى حكايته على الأقل، ويختار موتته الأخيرة اختيارا متقنا، فأن تقابل الموت مقبلا غير أن تقابله مدبرا.

 وهكذا فعل بلال، على حاجز حوارة مجدّداً، أمسك زمام المبادرة التي كنا نعتقد أنها لم تعد، وأعاد الفوهة نحو العدو الإسرائيلي كما كانت مسبقا.

خرج بلال من قريته عراق التايه جنوبي نابلس (شمالي الضفة المحتلة) نحو حاجز حوارة، في قلبه حجم قهر أكبر من أن يتحمله، وفي عقله ربما دارت قصة واحدة، حصلت قبل أسابيع، حينما أهين زملاءه في أمن السلطة، وقيدوا أمام الناس كاللصوص، ولم يكن فيهم من يقدر على إشهار سلاحه في وجه عدوه، للحفاظ على أخر عرق في الكرامة.

بلال ابن التاسعة والعشرين، يعرف معنى أن تهان إهانة مركبة كضحية نموذجية لاتفاقية الكبار، ممن يهرولون لأجل التنسيق الأمني، ولأجل ذلك يصادر سلاحك، ثم تقيد، لتكمل تجرع الإهانة، ورأسك منكس نحو الجدار.

يعمل بلال مستشاراً قانونياً لجهاز «الأمن الوقائي» برتبة نقيب في محافظة طوباس، وقد رُزق بطفلته جوان قبل ثلاثة أشهر.

وفي قصته ألف علامة استفهام، حيث يقول العدو الإسرائيلي أنه صوّب مسدسه نحو جنود متمركزين على الحاجز، وهمّ بإطلاق النار، لكن أحد الجنود سبقه وعاجله بالرصاص فاستشهد، فيما استدعت مخابرات العدو والده عقب استشهاده، قبل مصادرة الجثمان، حسب ما صرحت به جمعية الهلال الأحمر التي منعت من الوصول الى المنطقة.

 ورواجبه ليس الأول الذي ينفجر في وجه كل الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال لتحقيق هدف التنسيق الأمني.

فقد سبق رواجبة عدد من الموظفين في أجهزة الأمن لدى السلطة خصوصا مع بدء انتفاضة الأقصى ووصولها الى ذروتها في عام 2015 فقد نفذ الضابط في المخابرات مازن حسن عريبة، من بلدة أبو ديس، عملية فدائية بعدما أطلق النار على مركبة قرب حاجز حزما شرق القدس المحتلة، ما أسفر عن إصابة مستوطن وجندي إسرائيلي قبل استشهاده.

وفي نهاية الشهر الأول من 2016، استقلّ أمجد السكري، من بلدة جماعين جنوبي نابلس، مركبة رسمية خلال عمله مرافقاً للنائب العام، وأطلق النار على جنود العدو في حاجز «بيت إيل» فأصاب ثلاثة جنود واستشهد.

لم يترك الشهيد كثيرا من المعلومات عبر صفحته الشخصية على فيس بوك، سوى صورة قبل شهرين، يحمل فيها ابنته المولودة حديثا، فرحا متطلعا للغد، وجملة واحدة نشرها قبل استشهاده: «‏اللهُمّ نوراً مُمتداً منك يُضيء طريقي وأيامي»

وهكذا دخل بعدها إلى النفق الذي يريد، وقفز راضيا إلى أعماق النور في داخله.

البث المباشر