قائمة الموقع

"الشاباك"في عهد ديسكن وبعده

2010-11-01T11:40:00+02:00

صالح النعامي            

بعد عدة أشهر سيغادر يوفال ديسكين مقعده كرئيس لجهاز المخابرات الداخلية " الشاباك " يوفال ديسكين، ليحل مكانه نائبه الحالي. ونظراً للنفوذ الواسع والتأثير الهائل الذي يحظى به " الشاباك " على دائرة صنع القرار في الدولة العبرية، فإن التغييرات في رأس الهرم فيه تكتسب أهمية خاصة لما لها من دلالات وتداعيات تعكس التوجهات الحقيقية لقيادة الدولة العبرية. ولعل ديسكين أكثر رؤساء " الشاباك " التي ترك أثراً وصدىً أثناء توليه قيادة " الشاباك "، فديسكين يوصف بأنه " مهندس عمليات الاغتيال " ضد قادة وعناصر حركات المقاومة. لكن ما الذي منح " الشاباك " هذه الأهمية التي لا يتمتع بها غيره من الأجهزة الاستخبارية؟.

 يملك الكيان الصهيوني ثلاثة أجهزة استخبارية: " أ " شعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة ب " أمان "، والتي تتبع هيئة أركان الجيش، وتعتبر أكبر الأجهزة الاستخبارية وأكثرها كلفة لموازنة الدولة.

 وحسب القانون فإ جهاز " أمان " مسؤول بشكل أساسي عن تزويد الحكومة بالتقييمات الاستراتيجية الى على أساسها تتم صياغة السياسات العامة للدولة، بالذات على صعيد الصراع مع الأطراف العربية. تعتمد " أمان " على التقنيات المتقدمة الى جانب المصادر البشرية في الحصول على معلوماتها الاستخبارية التي توظفها في صياغة تقييماتها الاستراتيجية. " ب " : جهاز الموساد: هو جهاز الاستخبارات للعمليات الخارجية، وله العديد من المهام، أهمها التجسس على الدول العربية.

ويعتبر ثاني الأجهزة الاستخبارية من حيث الحجم والكلفة المالية. " ج ": جهاز " الشاباك ": يعتبر أصغر الاجهزة الاستخبارية ويتكون من بضع الاف من العناصر، ويتخصص في محاربة حركات المقاومة الفلسطينية والسعي لاحباط عملياتها ضد اسرائيل. كلاً من " الموساد " و " الشاباك " يتبعان مباشرة مكتب رئيس الوزراء، وهو صاحب صلاحية تعيين رئيس كل جهاز منهما.

لكن على الرغم من أن " الشاباك "، هو أصغر الأجهزة الاستخبارية، إلا أنه يعتبر أكثر الأجهزة الأمنية حضوراً وتأثيراً على عملية صنع القرار السياسي والعسكري في الدولة، ولا يمكن مقارنة تأثيره الطاغي بتأثير أي جهاز أمني اخر في الدولة العبرية. لا يختلف اثنان على أن الذي رفع أسهم جهاز " الشاباك " مقابل الجيش والاجهزة الاستخبارية الاخرى هو اندلاع انتفاضة الأقصى، وإدراك الكثير من الاسرائيليين أن هذه الانتفاضة باتت تمثل خطراً وجودياً على الدولة العبرية.

 " الشاباك " تولى منذ اندلاع الانتفاضة مهمة احباط عمليات المقاومة، وجمع المعلومات الاستخبارية التي تم توظيفها في شن عمليات التصفية والاعتقال بحق قادة ونشطاء حركة المقاومة. كان هناك اجماع يندر تحقيقه بين المستوى السياسي، ومنافسي " الشاباك " من بين الأجهزة الأمنية، فضلاً عن وسائل الاعلام الاسرائيلية على أن ما حققه " الشاباك " من انجازات في مجال احباط عمليات المقاومة فاق كل التصورات. قدرة "الشاباك " على التغلغل في المجتمع الفلسطيني التي راكمها عن طريق التجنيد الكثيف للعملاء والجواسيس ساعد على توفير المعلومات الاستخبارية التي قادت الى احباط عمليات المقاومة عن طريق اعتقال خلاياها وتفكيكها والزج بعناصرها في غياهب السجون، أو تصفيتهم.

انخفاض عمليات المقاومة الفلسطينية داخل الضفة الغربية وانطلاقاً منها خلال العام الماضي والعام الجاري بشكل حاد، لم يكن ليتسنى بدون المعلومات الدقيقة التي وفرها " الشاباك ". ولم يكن ليفوت رؤساء الحكومات الإسرائيلية في أي مناسبة الاشادة بالجهود التي يبذلها " الشاباك " لمنع عمليات المقاومة واحباطها قبل أن تأخذ طريقها الى مراكز المدن الاسرائيلية. من ناحيتهم يجمع المعلقون العسكريون في الدولة العبرية على أن " الشاباك " هو أكثر الأجهزة الاستخبارية في العالم قدرة على احباط ما يسمونه ب " عمليات الارهاب ".

 " الانجازات " التي حققها " الشاباك " جعلت منه الذراع الاستخباري الأكثر تأثيراً على دائرة صنع القرار. الحكومة لا يمكنها أن تتخذ قراراً يتعلق بالنزاع مع الشعب الفلسطيني دون الحصول على موافقة قيادة "الشاباك ".

كل وسائل الاعلام الاسرائيلية تجمع على أن الحكومة تضرب بعرض الحائط توصيات بقية الأجهزة الأمنية الأخرى اذا كانت تتعارض مع التوصيات التي يقدمها " الشاباك ". فقد دلت التسريبات من المداولات الأمنية السرية التي عقدتها الحكومة الاسرائيلية منذ انطلاق انتفاضة الأقصى بشكل لا يقبل التأويل على أن " الشاباك " هو الذي رسم سياسات القمع التي مارستها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وهو الذي كان ينجح دائما في رفع سقف هذا القمع مستغلاً " انجازاته " لتبرير مطالبته الحكومة بتبني توصياته. احتكار " الشاباك " للمعلومات الاستخبارية المتعلقة بالفلسطينيين مس بقدرة أعضاء الحكومة وبقية الأجهزة الأمنية على تقديم تصورات مغايرة. هذا الاحتكار ساعد " الشاباك " على تضخيم المعلومات من أجل تكثيف عمليات الاغتيال والقمع بشكل عام.

 لكن نفوذ "الشاباك " لم يتوقف عند حد رفع سقف القمع ضد الفلسطينيين، بل ايضاً تعداه الى التمتع بحق " الفيتو " ضد أي خطوة سياسية تقدم عليها الحكومة تجاه الفلسطينيين. " الشاباك " نجح دائما في اقناع الحكومة بالتعامل ببخل شديد في كل ما يتعلق ب " بوادر حسن النية " تجاه السلطة ونحو رئيسها الجديد محمود عباس. على الرغم من أن الأجهزة الأمنية الأخرى كان لها رأياً اخر، إلا ان "الشاباك " نجح في رفض تقديم مثل هذه البوادر على اعتبار أنها تضعف قدرة الدولة على احباط العمليات. النفوذ الواسع الذي يحظى به "الشاباك " جعل ناحوم برنيع كبير معلقي صحيفة " يديعوت احرنوت " الاسرائيلية يعتبر رئيس "الشاباك " هو " الحاكم " الحقيقي للدولة. الذي يجعل تأثير " الشاباك " خطيراً بشكل خاص، هو حقيقة أن قادته وكبار الضباط فيه هم من الذين يتبنون المواقف اليمينية المتطرفة. والذي يدل على هذه التوجهات هو حقيقة توجه هؤلاء القادة بعد تسرحهم من الخدمة للانضمام لحركات اليمين. فوزير الأمن الداخلي السابق جدعون عيزرا، كان نائباً لرئيس جهاز "الشاباك "، وانضم لليكود فور تسرحه منه، وهو حالياً أحد قياديي " كاديما "، وكذلك الأمر بالنسبة لآفي ديختر الذي تولى في السابق منصب رئيس " الشاباك "، وشغل في حكومة اولمرت منصب وزير الامن الداخلي، وكذلك زميله إسرائيل حسون النائب السابق لرئيس الشاباك، والذي يمثل حزب " كاديما " في الكنيست حاليا،  وحذا حذوه ايهو ياتوم الذي كان يشغل قسم العمليات في الجهاز، وكان نائباً عن حزب الليكود. وهناك من كبار قادة الجهاز من انضم لحزب " المفدال "الديني القومي الذي يعتبر الذراع السياسي للمستوطنين، مثل حاييم لانداو.

وتؤكد وسائل الاعلام الاسرائيلية أن معظم قادة الأقسام في الجهاز حاليا هم من ذوي التوجهات اليمينية. التوجهات اليمينية المتطرفة تؤثر كثيراً على التقييمات والتوصيات التي يقدمها الجهاز للحكومة، مع العلم أنه يفترض أن هذه التقييمات تقدم على أساس مهني بدون التأثر بالموقف الايدلوجي لهذا القائد أو ذاك. وقد كان لقرار شارون باختيار يوفال ديسكين ليكون رئيسا ل " الشاباك " له دلالات خاصة. فديسكين الذي تولى في الفترة بين العامين 2001 و 2003 منصب نائب رئيس " الشاباك " يعتبر " مهندس " عمليات التصفية التي قامت بها الدولة العبرية ضد قادة وكوادر حركات المقاومة. ديسكين أخذ على عاتقه تنسيق عمليات التصفية، وهو الذين حول المعلومات الاستخبارية المتوفرة لديه عن المقاومين الفلسطينيين الى قذائف وصواريخ تغتالهم اثناء استقلالهم سياراتهم أو وجودهم في مكاتبهم ومنازلهم.

وقد نجح في إقناع المستوى السياسي برفع مستوى عمليات الاغتيالات لتطال في البداية القيادات السياسية لحركات المقاومة، وبعد ذلك طالت القيادات والمرجعيات الروحية. الكثير من المراقبين يرون أن اختيار ديسكين تحديدا ً ليكون على رأس الجهاز الأمني الأكثر أهمية عكس في الحقيقة توجهات شارون المستقبلية تجاه الفلسطينيين. فشارون الذي أراد أن يجمد مشروع التسوية بعد تنفيذ خطة " فك الارتباط " الى أجل غير مسمى، يرى أن هناك الكثير من الأسباب التي ستدفع الفلسطينيين آجلاً أم عاجلاً إلى استئناف عمليات المقاومة وعلى نطاق واسع، ولذا فهو يرى أنه من الأهمية بمكان التحوط لهذا السيناريو عن طريق اعداد خطط أمنية جاهزة يمكن سحبها من الدرج وقت الحاجة وتطبيقها. من هنا كان تنصيب ديسكين – الذي خبر شارون " قدراته الخاصة " – على رأس هذا الجهاز. يمكن القول بشكل جلي أن النفوذ الطاغي الذي يحظى به " الشاباك " على دائرة صنع القرار في الدولة العبرية يدلل من ناحية، على الاشكاليات التي تعاني منها الديمقراطية الإسرائيلية، ومن ناحية ثانية يؤكد أن الأساس الذي على أساسه يتم اصطفاء الأجهزة والقادة في إسرائيل هو القدرة على إلحاق الأذى بالشعب الفلسطيني والمس بمعنوياته.

وغني عن القول أن خليفة ديسكين سيواصل نهجه وقد يكون أكثر تشدداً، إذ أن هناك علاقة عكسية بين قوة رئيس الوزراء في اسرائيل وقوة رئيس الشاباك، ولما كان رئيس وزراء إسرائيل الحالي من أضعف رؤساء الوزراء في تاريخ إسرائيل فإنه يمكن القول أن رئيس " الشاباك " القادم سيكون ذو تأثير أكثر طغياناً من تأثير ديسكين.

 

اخبار ذات صلة