غزة- كارم الغرابلي
على وقع الأهازيج والزغاريد ورغم آهات الجراح؛ زفَّت مدينة غزة على مدار الأسابيع الماضية المئات من شبابها في أعراس جماعية، بدَت علامة مميزة في التقاليد الفلسطينية.وتلْقَى الأعراس الجماعية- التي بدأت تنتشر في قطاع غزة بسبب حالة الفقر المدقع الذي يعانق الغزيون بسبب الحصار- رواجًا كبيرًا، وذلك بإشراف عدد من الجمعيات الخيرية والتنظيمات الفلسطينية التي تسعى للتخفيف من أعباء الزواج في ظل الحصار الخانق الذي يضنى كاهل الغزيين.
وكان العرس الجماعي الذي ضمَّ بين جنباته العشرات من المكفوفين الأسبوع الماضي وللمرة الأولى على مستوى الشرق الأوسط حدثًا استثنائيًّا بشكله ومضمونه؛ حيث رسم لوحاتٍ من الأمل والفرح على كلِّ الوجوه في صورة عكسها الاحتفاء بالعرس.
وجرى الحفل لـ38 عريسًا، بحضور لفيف من ممثلي المؤسسات الرسمية والأهلية، وأعضاء من الحكومة الفلسطينية، بجانب عدد كبير من الوجهاء الأكاديميين وأهالي العُرُس وذويهم.
ومنذ انتهاء الحرب التي استمرت 22 يومًا متواصلةً في 18 يناير الماضي لا يكاد صوت الأعراس الجماعية يخبو في غزة؛ حيث دأبت التنظيمات والفصائل الفلسطينية وبعض المؤسسات والجمعيات الأهلية مؤخرًا على تنظيم تلك الحفلات، وخصّصت العديد منها لبعض الفئات، كتنظيم أعراس جماعية لأرامل الشهداء وجرحى الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويشير الكفيف أحمد وهو يتحسَّس عجلات مقعده المتحرك إلى أن الحالة المادية الصعبة التي يعاني منها والده وغلاء المهور؛ أصبحت حائلاً بينه وبين الارتباط بفتاة "أُكمِل معها حياتي".
ويضيف لـ(للرسالة): "بعد أن أُصِبت خلال انتفاضة الأقصى وبُتِرَت إحدى ساقيّ وخسرت عينيَّ في قصف صهيوني لحي الصبرة شرق المدينة؛ صرتُ أبعد عن نفسي مجرد التفكير بأن تكون لي زوجة أبصرها وترضى بحالتي، حتى جاء ذلك اليوم".
أما نور حسنين (26 عامًا)، فقد خالفت المثل القائل: "وللمرء من اسمه نصيب"، فشاء الله أن تفقد بصرها لحظة ولادتها، وتؤكد أنها "فازت بزوج مبصر" على حدِّ وصفها.
وتشير نور التي تزوَّجت خلال حفل جماعي نظَّمته "جمعية التيسير للزواج" بمدينة غزة في يوليو الماضي إلى أنها تعيش يومها كما تعيشه أخواتها وسلفاتها المتزوجات بشكل طبيعي.
وتضيف: "دائمًا ما أناقش سلفاتي وأخواتي تفاصيل الحياة الزوجية وواجباتي المنزلية، ويؤكدون لي صحة ما أنجزه في أغلب الأحيان".
رنا عروس أحد المكفوفين تعتبر أن زواجها "تقربٌ إلى الله؛ فمن حق هؤلاء الشباب أن يعيشوا حياتهم، ويُرزقوا بأسرة وأطفال يغمرونهم سعادةً"، وبحروفٍ واثقة تضيف: "سأكون له العيون التي يرى ويتحرك بها، وسأضيء له حياته بقناديل السرور".
وعلى غرار ما قامت به جمعيات خيرية في غزة تابعة لحركة حماس؛ بدت الأعراس الجماعية علامةً مميزةً صيف هذا العام في غزة، وما يميز تلك الأعراس هو اختيار فئات من المجتمع الغزاوي ذوي إمكانات محدودة، وفي الغالب معدومة.
واستطاعت حركة حماس في ظل الظروف الصعبة التي يكتوي بها الغزيون أن تكسر الحصار وتبطل آثاره السلبية، وذلك بتنظيم الزواج الجماعي الذي تساعد من خلاله مئات الشبان والشابات على فتح أسر جديدة وبناء حياة كريمة.
هبة طالبة في الجامعة الإسلامية تزوَّجت واستُشهد زوجها، ولها من الأبناء طفلة واحدة، اقترحت عليها دائرة العلاقات العامة بالجامعة دخولها الأعراس الجماعية، وبعد مداولات مع الأهل وافقت، ورأت من سيكون زوجها بالصورة، وهو متزوج وزوجته أنجبت له أربعة أولاد.. تقول لـ(للرسالة): ثقافة الزواج الجماعي في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها أمرٌ منطقيٌّ للغاية، وحماس تعمل وفق منهجية واضحة، وهي فتح البيوت، وتزويج الشبان، والحفاظ على الأرامل ومنهن أرامل الشهداء، وهذا من باب تكريم الشهداء.
ويقول العريس إبراهيم الشيخ: العرس الجماعي خفف عني الكثير من المتطلبات الخاصة بالفرح.ويضيف الشاب إبراهيم الذي شارك في أحد الأعراس الجماعية: "كنت أتمنى أن أقيم فرحي في قاعة أفراح، وأدعو جميع الأحباب والأصدقاء, لكن بسبب ظروف الحصار والغلاء الفاحش للأسعار وعدم توفر وسائل المواصلات؛ تبدَّدت كل أحلامي".
وذكر أن العرس الجماعي خفَّف عنه الكثير من المتطلبات الخاصة بالفرح في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، خاصةً تكاليف حجز القاعة والتصوير وطباعة الدعوات وحجز المركبات.
ويقول أحمد الحاج منسق أحد الأعراس الجماعية- الذي نظَّمه اتحاد الجمعيات الخيرية في مدينة خان يونس جنوب القطاع تحت شعار "أفراحنا فرحة انتصار رغم الحصار والجراح" وشارك فيه أكثر من 200 عريس- إن هذا العام شهد إقبالاً شديدًا من الشباب على المشاركة في العرس الجماعي بخلاف السنوات الماضية التي لم يشارك فيها إلا بضع عشرات.
وأرجع أسباب إقبال الشباب على المشاركة في الأعراس الجماعية إلى الحصار الذي زاد نسبة البطالة في صفوفهم، وجعلهم عاجزين على توفير الكثير من المستلزمات، في ظل ارتفاع الأسعار وندرة البضائع.
وقال رئيس مجلس إدارة جمعية تيسير للزواج وائل الزرد: "إن هناك تخوفًا في المجتمع الفلسطيني من تزايد نسبة العنوسة، وإن كانت بشكل غير ظاهر، مشيرًا إلى أنه ورغم تساوي عدد الذكور والإناث في قطاع غزة إلا أن عدد غير المتزوجات أكبر بكثير من غير المتزوجين".
وحول تزايد أعداد الأعراس المقامة في غزة إقبالاً على الزواج؛ أكد الزرد أن الكثيرين يملكون إرادة الحياة، فلن تتوقف رغم الدمار والحصار، مشيرًا إلى توجه الكثير من الأهالي لتقليص حجم المهور.
في المقابل لم يستبعد حدوث بعض الخلافات العائلية من جرَّاء ضيق المسكن وعودة بعض الأزواج للسكن في بيت العائلة الكبير في ظل الحصار وجمود مشاريع الإعمار بغزة.
وتلقى الجمعية إقبالاً واسعًا من قِبَل العشرات من الشباب؛ حيث تقوم بتزويج نحو 40 إلى 60 شابًّا وفتاةً سنويًّا.
وما أن يحل الظلام إيذانًا بانتهاء زغاريد أفراح صيف الفلسطينيين في قطاع غزة، حتى تنير علامات الاستفهام حول ما تخفيه الأيام القادمة من ظلمة حوار وطني تُعمي بصيرةً أو اعتداءات صهيونية تعمي أبصاراً!!.