الرسالة نت - فايز الشيخ
تشهد حركة فتح في الضفة الغربية أحلك أزماتها الداخلية على كافة الصُعد "السياسية والأمنية والنقابية"، حيث لم يعد بمقدور الحركة التحكم بتكتلها بعد أن سلمت مفاتيحها ودفاترها إلى شخوص من غير إطارها التنظيمي؛ وبالتالي رهنت بذلك نفسها إلى "المال الغربي المسيس والذي لا يعينها على البقاء ورفض الإملاءات والضغوط الصهيو أمريكية".
وفجرت مقالة عضو المجلس الثوري لحركة فتح فهمي الزعارير ما أخفته "الدهاليز الفتحاوية" من حالـة الاحتقان والسخط على سلام فياض وحكومته "غير الشرعية" التي تنكرت لهم وسحبت البساط من تحت أقدامهم.
"الزعارير" الذي غادر الضفة الغربية إلى تونس لم يتسن لـ"الرسالة نت" الحصول منه على توضيحات أكثر عما ورد في مقالته التي حملت عنوان: "ما لم تقل شكراً.. فـلا أهلاً ولا سهلاً"، حيث كانت كلماته مبطنة، وتحمل في طياتها رسائل كثيرة، حَمَلَ فيها على فياض تنكره لفتح وتجاوزه لها، على الرغم ما اسماه "تراجع فتح للخلف، وتقديم رئيس وزراء من غير الفتحاويين".
الخلل في التكليف
غير أن النائب عن حركة فتح في الضفة الغربية جمال حويل، أرجع الخطأ والخلل بالأصل في بقاء فياض وحكومته إلى الاستمرار في التكليف، قائلاً:"إن حكومة فياض هي حكومة عباس، وإذا كان هناك خطأ أو خلل فهو في التكليف والاستمرار بالتكليف".
ولم يَعُد حويل في حديثه لـ"الرسالة نت" التعديل الوزاري لحكومة فياض أولوية بالنسبة لحركته طالما أن هناك أشياء ملحة وطنياً مثل المصالحة، معتقداً أن المصالحة والوحدة الوطنية لها الأولوية على أي قضية أخرى سواء التعديل الوزاري أو غيره.
في الوقت الذي عبر فيه حويل عن احترامه للأداء الداخلي لحكومة فياض في بناء المؤسسات، لكنه اعتبر كل ذلك بدون قيمة وأهمية حينما ينحرف عن الموضوع الأساسي المتعلق بإزالة الاحتلال الجاثم على الأرض الفلسطينية، مدللاً على قوله بأن الرئيس الراحل ياسر عرفات بنى الكثير من المؤسسات ثم جاء الاحتلال ودمرها بالكامل في يوم واحد.
كما لم يخفِ حويل استياء حركته وحرجها مما صرحه ياسر عبد ربه مؤخراً حول استعداده للاعتراف بما يسمى يهودية الدولة مقابل دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967، حيث أثارت جدلاً واسعاً استدعى من معظم الفصائل إلى المطالبة بإقالته من منصبه.
وكعادته فقد أشعل عبد ربه الأسبوع الماضي فتيل أزمة وصراع نقابي في الضفة الغربية، وذلك بعد أن أسس نقابة جديدة مناهضة لنقابة الموظفين الحكوميين التابعة لفتح و يرأسها عضو المجلس الثوري للحركة بسام زكارنة.
وعاد حويل ليشدد على أن تصريحات عبدربه أو غيره من بعض القيادات تحتم عليهم في فتح عدم حرف البوصلة نحو تحقيق الوحدة الوطنية والاتفاق مع حماس وكافة الفصائل على كل القواسم المشتركة وآليات الوصول إلى تفاهمات سواء فيما يتعلق بالمفاوضات أو المقاومة.
وحول رؤيته لمستقبل المصالحة الوطنية، أكد حويل أنهم في الحركة لاحظوا ايجابية كبيرة جداً وتفاؤلا من المعنيين بملف المصالحة وتحديداً من مفوض العلاقات الوطنية في حركة فتح ورئيس وفدها للمصالحة عزام الأحمد ، حيث نقل لهم الأخير تفاؤله من الجلسات الأخيرة مع قيادة حركة حماس في دمشق، معتبراً أن ذلك يعطي مؤشراً ودافعاً قوياً لأن تكون المصالحة قادمة لا محالة.
وتمنى حويل أن تُولد من جديد حكومة وحدة وطنية تمثل الواقع الفلسطيني وتخرج الحالة الفلسطينية من حالة الانقسام القائمة،وقال :"كما أنني أؤمن بقاعدة بديهية لا يجوز لأحد تجاوزها بأن رفح وجنين وطن واحد فإن حماس وفتح أبناء شعب واحد".
صراع على الوزارات
وفي نظرة تحليلية تُفند ما ورد من عناوين سالفة ذكرها حويل، اعتبر د. يوسف رزقة المستشار السياسي لرئيس الوزراء، أن الصراع بين حركة فتح وفياض صراع ممتد يزيد عمره عن سنتين، موضحاً أن وجه التنكر من فياض لفتح جاء بعدم إجراء الأخير التعديل الوزاري الذي تطالب فيه فتح بأن تكون الوزارات السيادية ومنها وزارة المالية بيدها.
وأشار لـ"الرسالة نت" إلى أن فتح تعتبر نفسها أحق برئاسة الحكومة على اعتبار أن عباس من شكلها وأن فياض طارئ عليها ومدعوم بشكل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، لافتاً أن تمسك فتح بالتعديل نابع من حرصها على تفريغ عناصرها وكوادرها التنظيمية من خلال ما يمكن تسميته الإجراءات المالية ذات العلاقة بذلك.
واستبعد رزقة أن يكون للمصالحة الوطنية دور في تأخير التعديل الوزاري لحكومة فياض، معللاً بأن المصالحة مازالت مجهولة النتائج لكن مطالب فتح بالتعديل الوزاري مقدمة منذ ما يزيد عن عام.
وشدد على أن فياض سيستمر في رفض التعديل على حكومته باعتبار أن موقفه السياسي قوي بالإسناد الأمريكي والصهيوني، عوضاً عن أنه غير مرتاح لهذا التعديل ولا يريد أن يعطي حركة فتح ما تريد، وقال:"لذلك عبر الكثير من قيادات فتح بأن فياض يعتبر عقبة أمام التنظيم وكارثة بالنسبة لهم أن يستمر فترة أطول من ذلك".
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى أن تهاجم قيادات من حركة فتح فياض بطريقة مباشرة وغير مباشرة، مع العلم أن هذه التهجمات حملت في طياتها تناقضات كثيرة، فقد خرج البعض منهم في السابق ليقول بأن فياض صنيعة الولايات المتحدة والغرب والبنك الدولي، في حين ادعى آخرون بأن فياض جاء بإرادة فتح وعباس.
الشراكة السياسية
وتطرق رزقة إلى ما وصفها بالتصريحات الخطيرة والاستباقية الطارئة على الحوار الجاري بين فتح حماس حول عدم الرغبة في تسليم حماس أية مهام أمنية في الضفة وغزة، معتبراً أن هذه التصريحات المنسوبة إلى أمريكا ومصر تُلقى في الساحة الإعلامية لتبرر لعباس رفضه إشراك حماس في الحياة السياسية.
وكانت تقارير إعلامية ذكرت أن قيادة "أجهزة فتح" في الضفة الغربية أبلغت وفد فتح للحوار أنها لن تقبل بأي تعديلات جوهرية على بنيتها في حال التوصل إلى اتفاق مصالحة بين الحركتين، كما ذكرت "الشرق الأوسط" أن مصر أبلغت السلطة بموقفها الرافض أن تتولى عناصر من حماس قيادة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد إتمام المصالحة الفلسطينية الداخلية.
واعتبر رزقة ما وصفها بـ"الاشتراطات المفروضة" تبين أن الحوارات حول المصالحة واللقاء المقبل في التاسع من نوفمبر الجاري محكوم عليها بالفشل، مشدداً على أن أساس الحوار ينبغي أن ينبني على الشراكة السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة .
وقال رزقة:"ليست المشكلة في الأجهزة الأمنية في غزة وإنما المشكلة في أجهزة الضفة التي تغيب عنها العقيدة الوطنية وتطغى عليها الإجراءات الأمنية السارية في التنسيق الأمني مع الاحتلال وقمع المقاومة والمشاركة في عمليات أمنية اعترف قادة الاحتلال أنها فاقت 1400عملية مشتركة".
وبما يتعلق بمأزق فتح بسبب تصريحات عبدربه، شكك رزقة في قدرة فتح على الدفع بإقالة عبدربه من منصبه لأن ذلك يحتاج إلى قرار من منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية التي يرأسها عباس، معتبراً أن تعبيرات الإقالة من بعض قيادات فتح "تأتي لحفظ ماء الوجه ولتسجيل موقف عبر التاريخ ، حيث أنه ليس هناك موقف عملي للإقالة".
تجدر الإشارة إلى أن "القدس العربي" كشفت عن تصعيد أعضاء باللجنة المركزية لحركة فتح من انتقاداتهم في الاجتماعات الداخلية لـ"طريقة إدارة المعركة السياسية مع إسرائيل في المرحلة الراهنة"، حيث أبدى أعضاء من اللجنة استياءهم من التصريحات التي لمحت لإمكانية الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مقابل إقامة دولة فلسطينية في حدود العام 1967.
وأشار رزقة إلى أن جميع الأوساط المعنية والمتابعة أجمعت على أن تصريح عبدربه لا يعبر عن شخصه وإنما يعبر عن موقعه في أمانة سر المنظمة، وبالتالي يعبر عن الرؤية التي يشترك فيها معه قادة المنظمة وعلى رأسهم عباس الذي لم يُعلق على هذا الموضوع بتاتاً، وأضاف:"إن الاعتراف بيهودية الدولة نكبة ثانية لا تختلف عن النكبة الأولى المتمثلة في الأولي وعد بلفور المشئوم".
المجموع الفتحاوي
وكمن سبقه لم يربط النائب المستقل حسن خريشة، المصالحة الوطنية بتأخر التعديل الوزاري الذي لطالما طالبت به حركة فتح مراراً وتكراراً، مؤكداً أن التأخير ليس له علاقة بالمصالحة وإنما بعدم قدرة فتح على إحداث التغيير الوزاري في ظل تهديد فياض بالاستقالة إذا ما تم إجباره على التعديل.
وشدد لـ"الرسالة نت" أن ما عبر عنه الزعارير في مقاله الأخير يدل على التباين الفتحاوي الداخلي حول بقاء فياض على رأس الحكومة، لافتاً أن فتح أرادت من فياض أن يمشي على هواها وهذا لم يتحقق لها وبالتالي فهذه رسالة غضب ليست من الزعارير فقط وإنما من مجموع حركة فتح.
ووصف خريشة استياء فتح من تصريحات عبد ربه بأنه استياء شكلي يغطي المضمون، حيث أنه لم نسمع أي صوت جدي من أي أحد في مركزية فتح واللجنة التنفيذية للمنظمة يطالب بإقالة عبد ربه، على حد تعبيره.
وأخيراً، على الصعيد الأمني الميداني في الضفة الغربية، تسود حالة من الخلافات الحادة في أوساط حركة فتح والتي ظهرت جلية في محاولة فتح وحكومة فياض تنظيم الانتخابات البلدية، حيث شهدت بعض المناطق حوادث إطلاق نار بين عناصر فتح كما حصل في بلدة يعبد قضاء جنين.
ويتخوف أهالي الضفة من حالة الصراع التي تسود الأوساط الفتحاوية في الضفة الغربية فيما بينها ، ومحاولة حركة فتح إحداث نوع من الفوضى الأمنية من أجل ابتزاز فياض لحمله على إجراء تعديل وزاري في حكومته ووضع شخصيات فتحاوية في مناصب حساسة في السلطة بعد أن أصبحت القيادات الفتحاوية تشعر أنه لا وزن لها في الضفة الغربية، وأنها أصبحت تعيش في ذاكرة الماضي بالنسبة للمواطن الفلسطيني.