جاء خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في الذكرى الثالثة والثلاثين لانطلاقة الحركة، ليؤكد على ثباتها على ما انطلقت من أجله، ورسم خارطة الحركة في المرحلة المقبلة وسط التحديات الجمّة التي تحيط بها.
ويأتي خطاب هنية كأولى خطاباته الرسمية كقائد للحركة خلال تواجده مؤقتًا خارج غزة، وفي ظل عدم إقامة حماس لمهرجان الانطلاقة المعهود بغزة في كل عام نتيجة جائحة كورونا، وتوجيه جهود الانطلاقة نحو تلبية احتياجات المواطنين.
وتمثلت أبرز محاور خطاب هنية بالتمسك بثوابت الحركة ومبادئها التي انطلقت عليها، وفي مقدمتها تفعيل المقاومة في كل الساحات وتطويرها، والتأكيد على الاستمرار في مشروع الوحدة الوطنية، والتنبيه على ضرورة مواجهة موجة التطبيع القائمة لخطورتها على القضية الفلسطينية، والاهتمام البالغ بالعمق العربي والإسلامي، وتجديد العهد مع الأسرى على الوفاء بحريتهم.
وهذا التأكيد على الثوابت يأتي في ظل محاولات كثيرة لثني حماس عن مواقفها الثابتة، تارةً من خلال الاغراءات وأخرى بالتهديدات، وجميعها باءت بالفشل على مدار السنوات الماضية، وبعد مرور 33 عام على انطلاقة حماس لا تزال تحافظ على اللاءات التي تكررها الحركة منذ عقود.
ولم يخفِ هنية في خطابه برغم الحديث عن قوة حماس، حجم المخاطر التي تحيط بالحركة والقضية الفلسطينية على حد سواء، في ظل التقلبات السياسية في المنطقة، لا سيما موجة التطبيع التي تجتاح العالم العربي منذ أسابيع، والتي كانت آخر رياحها في المغرب وقد تمتد إلى المزيد من الدول لاحقا.
وتدرك حماس خطورة التطبيع، إلا أنها لم تستطع التأثير في ذلك على صعيد كمح جماحه، برغم جهودها الواضحة في طرق أبواب العواصم العربية والإسلامية جميعًا، في سبيل دعم القضية الفلسطينية، وتحسين العلاقة مع الجميع.
ومن اللافت في خطاب هنية حديثه عن تفعيل المقاومة في كل الساحات وتطويرها للضغط على الاحتلال من كل اتجاه، وكذلك التأكيد على المقاومة الشاملة وفي مقدمتها الكفاح المسلح إلى جانب كافة أشكال المقاومة المشروعة في وجه الاحتلال.
وهنا تذهب الأعين إلى ساحات لبنان وسوريا والضفة والداخل، وفي كل نقطة يتواجد فيها الفلسطينيون، وكل في مكانه يخدم مشروع التحرير الذي تنشده حماس، من خلال سعيها الدؤوب لتطوير عملها العسكري والسياسي في كل اتجاه.
وفي خضم التأكيد على خيار الوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني بكل مؤسساته، لم يفت هنية الحديث عن الانتكاسة التي أصابت مسار المصالحة مع حركة فتح مؤخرا، بعد توجهها إلى التنسيق الأمني مجددا وإعادة العلاقات مع الاحتلال على حساب المصالحة، واصفًا ذلك بـ"الاستدارة السياسية" والتي أدت إلى تشكيل عائق كثيف أمام تحقيق الاختراق المطلوب في المصالحة –وفق تعبيره-.
وحديث هنية عن الوحدة الوطنية مثبت بالوقائع والأحداث التي تشهد عليها الأطراف الفلسطينية كافة والعربية كذلك التي شكلت وساطة دائمة في ملف المصالحة كالقاهرة والدوحة وأطراف دولية أخرى، ما يشير إلى جدية حماس على مدار الفترة الماضية في رأب الصدع الذي يصيب البيت الفلسطيني منذ أكثر من عقد.
ولم يقتصر موقف هنية على مواجهة التطبيع بترتيب البيت الفلسطيني فحسب، وإنما عرج على ضرورة الاهتمام بالعمق العربي والإسلامي، بتأكيده على اتباع حماس استراتيجية الانفتاح على كل مكونات الأمة، بارزًأ دور النخب في الدول المطبعة أو غير المطبعة في تصحيح المسار، وإعادة الأمة إلى ثقافتها وهويتها الحقيقية.
وتأتي هذه الذكرى، وسط إنجازات سياسية لحركة حماس يستند إليها خطاب هنية، باستمرارية علاقاتها المتينة مع عدة عواصم ذات قوة سياسية في المنطقة، كأنقرة والدوحة والقاهرة، بالإضافة إلى موسكو وطهران وبيروت، وغيرها من الدول والجهات والمؤسسات الدولية والإقليمية.
وبرغم التحديات الجمّة التي تواجه حماس سياسيا وأمنيًا وإعلاميًا وكذلك عسكريًا، كان للأسرى في سجون الاحتلال حصة في خطاب رئيس حماس، والذي جدد التأكيد على التزام حماس بوعدها بتحريرهم من السجون، بصفقة ذات وزن ثقيل على غرار صفقة وفاء الأحرار عام 2011، ويأتي هذا التأكيد في ظل الانشغال المحلي والإقليمي عن قضية الأسرى، ما وضعهم فريسة سهلة للاحتلال الإسرائيلي.
وفي نهاية المطاف، فإن خطاب حماس في الانطلاقة الـ 33 يشابه في صلبه ما جاءت به خطابات الانطلاقات الماضية، وهذا إشارة كافية إلى ثبات حماس على مواقفها، مع تغييرات في الأدوات والأساليب المتبعة في تحقيق الأهداف التي تراها الحركة مصلحة وطنية عليا قبل أن تكون مصلحة للحركة.