غزة-رشا فرحات محرر
هل سمعتم بناصر حلاوة؟ إنه شهيد الأمس، والذي مر خبر استشهاده سريعا عبر هذه العوالم الكثيرة من وسائل النشر.
هو أيضا لم يسمع رصاصة المحتل وهي تخترق جسده قبل شهر ولا ميكرفونات المحتل على حاجز قلنديا وهي تطالبه بالرجوع خطوة إلى الخلف، لأنه ببساطة لا يسمع.
ناصر مواطن من نابلس تجاوز الخمسين، من ذوي الاحتياجات الخاصة، أصم وأبكم لأنه في يوم قديم من طفولته أصيب بالحمى التي خرج منها بذنب لا يغتفر، إعاقة لم تكن شفيعة له على الحاجز، لا يسمع صوت الاحتلال ولا رصاصاته.
أب لثلاثة أطفال خرج في السادس عشر من آب، لزيارة شقيقته التي تسكن في القدس، والصلاة هناك، ولأن كل من أراد دخول القدس سيمر عبر حاجز قلنديا، وحينما كان الجنود يقفون هناك كعادتهم، وخطر في بالهم تغيير مداخل الخروج والدخول، نادوا بميكرفوناتهم من بعيد على الواقفين "أن تراجعوا".
ناصر لم يسمع، لأن جريمته في تلك اللحظة أنه أصم، وهذا الصمم أطبق على أذنيه فحل صوت الفراغ محل أصوات الجندي، ثم حل صوت الفراغ مكان صوت الرصاص الذي أخترق أقدام الكهل الذي لا يعرف الحكاية، فسقط ناصر بعشر رصاصات نخرت أقدامه.
تقول شقيقته: "الجنود صرخوا على ناصر لكنه لم يسمعهم، ولم يدرك ما الذي يجري حوله، فبادروا بإطلاق النار عليه، وأصابوه بعدة رصاصات في قدميه، أدت إلى حدوث تفتت فيهما"
وتضيف: "ومن ثم نقلوه إلى إحدى المستشفيات داخل أراضي الـ48، حيث مكث هناك ثلاثة أشهر، أجريت له خلالها 4 عمليات جراحية، وكان بانتظار عمليات أخرى، قبل أن يعيدوه إلى نابلس منذ أسبوعين تقريبا".
بعد علاج دام ثلاثة أشهر، عاد ناصر إلى نابلس فاقدا للذاكرة، لا يفقه ولا يرى إشارة أحد، ولا يدري ما الذي يدور حوله، قبل أن يرحل السبت الماضي بعد أن استنفدت كل قواه، أقدام تهتكت بفعل عشر رصاصات، لم تُسمع !
ناصر حلاوة عامل بسيط، متوجه إلى صلاة في الأقصى، يحمل هدية زيارته لشقيقته التي تسكن هناك، يحلم بتربية ثلاثة أطفال في زمن الحواجز القاتلة، يعمل "منجدا" في أحد متاجر بيع الأثاث ولا يبحث عن حياة أكبر من حياته، حياة يحلم الراكضون فيها مثل ناصر بالستر والسلام.
وسياسة المحتل التي باتت ممنهجة وتعتمد على فكرة "القمع من خلال الحواجز" أودت بحياة 11 شهيدا خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى عشرات المعتقلين الذين صودرت حرياتهم عليها، ومنهم نواب في المجلس التشريعي.
وتقول الصحافية الإسرائيلية عميرة هاس إن الجيش الإسرائيلي يدرب جنوده على سادية لينة وناجعة، ليس من الصنف الجسدي بل النفسي. إن مهمة عشرات الجنود من أبناء 18 – 20 هي، يومياً، سرقة وقت مئات الفلسطينيين من جميع الأعمار، وتحويله إلى عصيدة من الأعصاب المشدودة والمواعيد الضائعة وعدم اليقين.
قُتل ناصر حلاوة من باب التسلية لا أكثر على يد جنود مراهقين مدربين خصيصا لهذا النوع من التسلية، وخرجت روحه بالأمس بعد عناء مع الألم مدته ثلاثة أشهر، ربما دون أن يعلم لماذا وكيف ومتى ومن أين جاء الموت !!