هجمات صاروخية جوية وبحرية مكثفة، نفذتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق، أُطلق عليها عملية "ثعلب الصحراء"، واستهدفت معسكرات ومواقع الحكومة العراقية، ويقول مراقبون إنها كانت تستهدف الرئيس العراقي الراحل صدام حسين شخصيا.
الهجوم الذي بدأ في 16 ديسمبر/كانون الأول عام 1998، واستمر 4 أيام، جاء بذريعة عدم تعاون النظام العراقي مع اللجان الدولية للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل.
ذرائع الهجوم
وأبدى أستاذ تاريخ العراق الحديث والمعاصر في جامعة الموصل د. بشار فتحي العكيدي، استغرابه من اتهام رئيس لجنة التفتيش الدولية ريتشارد باتلر للعراق بعدم التعاون مع لجنته، ولا سيما أن العراق آنذاك كان يعاني من سنوات حصار اقتصادي أثقلت كاهله وكانت الحكومة العراقية تسعى للتقليل من هذا الضغط بالانصياع لطلبات لجان التفتيش.
من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو، أن عملية ثعلب الصحراء، كانت ضمن عمليات الضغوط الأميركية المستمرة على النظام العراقي قبل عام 2003، وتهدف بالدرجة الأساسية إلى إجبار العراق على تقديم المزيد من التنازلات.
ويضيف عزو للجزيرة نت، في تلك الفترة كانت هناك مشكلة أساسية بين العراق ولجان التفتيش، فيما يتعلق بزيارة أو تفتيش بعض المواقع، ولاسيما المواقع الحساسة جدا، ضمن الدولة العراقية، مثل أبنية ديوان الرئاسة، والقصور الرئاسية، ومجمعات القصور التي كانت موجودة في كل المحافظات العراقية.
فضيحة بيل كلينتون
ويشير عزو إلى أن الأساس في تلك العملية، محاولة إيجاد متنفس للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون -والذي كان يمر بفضيحة داخل البيت الأبيض- من خلال إشغال الإعلام الأميركي، عبر إعلان قصف العراق، والانشغال بموضوع الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وبرامجهما في العراق.
وأضاف أن كلينتون كان يتعرض لضغوط كبيرة من الكونغرس الأميركي، بسبب علاقته بالمتدربة في المكتب البيضاوي مونيكا لوينسكي، إضافة إلى الهدف الآخر وهو إعادة العراق ليكون تحت المطرقة الأميركية، بالضغوط المستمرة عليه في حينها.
ويتحدث اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي، مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات بإسطنبول، أنه بالإضافة إلى فضيحة كلينتون مع لوينسكي، كانت هناك شكوى عراقية بأن هيئة المفتشين الدولية مخترقة من قبل المخابرات الأميركية، عندما أنشأت ما يسمى بالصندوق الأسود، داخل بغداد، للتنصت على المكالمات العراقية وتحديد المواقع، وعندما أدرك العراق ذلك، قام بطرد مفتشي أسلحة الدمار الشامل.
المواقع المستهدفة
في ثعلب الصحراء، نفّذت الطائرات الحربية الأميركية 623 طلعة، ضد 100 هدف، وألقت 540 قنبلة، والبريطانيون نفذوا 28 طلعة جوية، ضد 11 هدفا، وأدى القصف لمقتل ما يقارب 62 جنديا عراقيا، وجرح ضعفي هذا العدد، وكذلك مقتل 82 مدنيا، بحسب القيسي.
ويضيف، كما دمر القصف مدرسة زراعية وخرّب 12 مدرسة أخرى، ما بين ابتدائية وإعدادية، ودمر خزانات ماء كان يستفيد منها نحو 300 ألف عراقي في بغداد، وأدى كذلك إلى قصف أحد مصافي النفط في البصرة، على اعتبار أن هذا المصفى يقوم بعمليات تهريب النفط وكسر العقوبات الأميركية والغربية على العراق، في حين أن أميركا وبريطانيا كانتا قد أعلنتا أن العمليات تستهدف المنشآت العسكرية فقط.
كما جرى تدمير مواقع عسكرية ومحطات رادارات، ومواقع الصواريخ أرض- جو، حيث إن صواريخ أرض- أرض دمّرت بعد عام 1991 -بحسب القيسي- ودمرت كافة المنشآت التي كانت تحوز هذه الصواريخ، حيث كان العراق يمتلك صواريخ سكود يصل بعضها إلى 650 كيلومترا.
ويستطرد اللواء الركن المتقاعد إلى أن الطائرات الأميركية قامت أيضا بقصف بطاريات صواريخ مضادة للسفن في شبه جزيرة الفاو (أقصى جنوبي العراق)، بذريعة أنها تهدد الملاحة في الخليج.
بينما يؤكد العكيدي إصابة أكثر من 70 موقعا عسكريا ومقرات للقيادة العراقية، وعدد من قصور الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ومقر رئيسي لحزب البعث آنذاك، فضلا عن استهداف آبار النفط جنوب العراق.
وينقل عن مستشار الأمن القومي الأميركي ساندي بيرغر تصريحه آنذاك، أن هذه العملية كانت استهدافا للرئيس العراقي صدام حسين بصورة مباشرة، وأن الهدف الأساسي هو القضاء على برنامج التسليح الكيميائي البيولوجي النووي العراقي.
هجوم عنيف
بدأ الهجوم بقصف عنيف جدا بصواريخ توماهوك، نحو 400 صاروخ (وهي أكثر من الصواريخ التي ضربتها القوات الأميركية في 1991)، وشاركت في العملية طائرات "بي52" (B52) الأميركية القادرة على حمل قنابل من زنة 7 أطنان والتي استهدفت مطارات ومواقع إستراتيجية في العراق، بحسب إبراهيم إسماعيل الراوي، المدير العام في شركة الشهيد للتصنيع العسكري العراقي في فترة تسعينيات القرن الماضي.
ويضيف الراوي للجزيرة نت، أن الحملة استهدفت مراكز تدريب الصواريخ ومناطق أخرى في معسكر التاجي شمال بغداد، ولكن في الحسابات العسكرية مثل هذه الخسائر لم تحسب، ولم تكن مؤثرة بشكل قوي.
ويعتقد أن الهجوم كان من المفترض أن يستمر لحين استسلام الرئيس صدام، لكن لم يستطيعوا الوصول إلى الهدف، بسبب اعتراض دول العالم، وبالذات فرنسا والصين وروسيا على هذا الإجراء.
فيما يرّجح العكيدي، بأن الغاية من هذه العملية هي محاولة إنهاك البنى التحتية العراقية والتمهيد لمرحلة جديدة تتمثل في الإطاحة بالنظام السياسي القائم آنذاك، كما أن الضربات التي وجهت كانت تستهدف القضاء على ما تبقى من قدرة الجيش العراقي التي مازالت تتمتع بنوع من القوة بعد إعادة تشكيل قسم من ألوية الحرس الجمهوري بعد عام 1991 والذي يعده الأميركان الركيزة الأساسية للجيش العراقي.
محاولات تجنب الضربة
حاول العراق أن يتجنب هذه الضربات، حيث نجح مع فرنسا والصين وروسيا، للتحدث مع الجانب الآخر لمنعهم من شن الهجوم، بحسب الراوي.
ويرى أن المخططات مرسومة من قبل، لأن أميركا تريد أن تشعل حربا في المنطقة، لتدمر الجيش العراقي وتأتي بالمعارضة.
وحول محاولات العراق الداخلية لتخفيف آثار القصف يكشف الراوي، أن منتسبي منشآت التصنيع العسكري بقوا بأماكنهم كدروع بشرية، مشيرا إلى أن ذلك حمى نحو 50% من المنشآت المتعلقة بالتصنيع العسكري كي لا توجه لها ضربات.
وفي السياق ذاته، يشير القيسي إلى أن العراق لم يكن يمتلك القدرات لتجنب الضربة، ويردف "كنا نتلقى الضربات لكن لم نستطع الرد، لأن قدرات العراق كلها دمرت، سواء قدرات القوة الجوية التي كانت مدفونة، وطائرات القوة الجوية كانت عبارة عن خردة ودون أدوات احتياطية، ولا تستطيع الطيران ولا حتى التحليق في المنطقة المسموح لها، والقوات الأرضية فقدت حوالي ثلثي قوتها على مستوى الصنوف الساندة والمدرعات والآليات، كما لم نمتلك تلك الصواريخ، وكان هناك مأزق عراقي سببه حرب عام 1990".
تمهيد الغزو
كانت هذه العملية بمثابة تمهيد لحملة عسكرية أكبر، وعملية تجريبية لاختبار القدرات العراقية، في إمكانية مجابهة أميركا وقدرة العراق على تعبئة الرأي العام المحلي أو الدولي، من أجل الرد على الغزو الأميركي المحتمل، بحسب أستاذ العلوم السياسية عزو.
من جانبه، يؤيد العكيدي الرأي القائل إن عملية ثعلب الصحراء كانت تمهيدا لغزو العراق، وعملت طوال الفترة الممتدة بين عامي 1990 و2003 على إنهاك الداخل العراقي ليكون غير قادر على الصمود بوجه أي اعتداء جديد، فضلا عن أن الولايات المتحدة بدأت تعد العدة من أجل إنشاء تحالف دولي يعطيها غطاء شرعيا وقانونيا للهجوم على العراق.
وينوّه القيسي إلى أن العراق يمثل حجر الزاوية في منظومة الأمن الإقليمي، وربما ربح الأميركان الحرب لكنهم خسروا السلام، فما يعانيه العراق اليوم نتيجة الغزو، يؤكد عدم وضوح الإستراتيجية الأميركية لما بعد الحرب، وبالتالي أصبحت المنطقة مفتوحة لكل الصراعات الإقليمية.
المصدر : الجزيرة