قائد الطوفان قائد الطوفان

التطبيع والانفجار العربي القادم

العناني
العناني

خليل العناني


استخدمت الأنظمة السلطوية العربية القضية الفلسطينية ورقة توت تغطّي بها عوراتها السياسية، خصوصا ما يتعلق بملفات الحرية والديمقراطية والتنمية. وكان خطابها يتمحور، ولو شكلياً، حول دعم الفلسطينيين سياسيا ودبلوماسيا ومالياً، والتأكيد على مسألة إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مع ضمان عودة اللاجئين. ولكن تحوّلا جوهريا حدث، منذ بدء "الربيع العربي"، في مواقف هذه السلطويات تجاه القضية الفلسطينية. ليس فقط أن هذه القضية لم تعد تحتل أية أولوية في أجندتها، وإنما أيضا أنها اقتربت أكثر فأكثر من إسرائيل التي تشاركت معهم في العداء للربيع العربي، وساهمت في الانقلاب عليه وتحطيمه. لذا لم يكن غريباً أن نشهد بروز محور جديد يضم الإمارات والسعودية وإسرائيل تشترك بلدانه في أمرين أساسيين: ضرورة محاربة الربيع العربي ووقفه بأي ثمن، والعمل بقوة لتصفية القضية الفلسطينية. وقد تجسّدت هذه الصيغة الجديدة بشكل واضح فيما عُرف بـ"صفقة القرن"، والتي لم يكن لها أن تتحقق لولا فشل الربيع العربي في تحقيق أهدافه بإقامة دول ديمقراطية ذات غطاء شعبي.
بكلمات أخرى، عجّل الربيع العربي بظهور التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والسلطويات العربية للعلن، والذي كان قد بدأ بالفعل قبل عقود، على نحو ما أشارت مقالات سابقة للكاتب، فالعلاقات بين الإمارات وإسرائيل تعود إلى أكثر من ربع قرن، وهي متعدّدة الجوانب سياسياً وأمنياً واستخباراتيا. عرفنا ذلك ليس فقط مما كشفته الصحافة الإسرائيلية على مدار الشهور الماضية، ولكن أيضا من المسؤولين الإماراتيين أنفسهم، فقد قال السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، إنه كان يلتقي السفير الإسرائيلي في واشنطن سراً على مدار السنوات الماضية. وكذلك الحال مع البحرين التي أقامت علاقات سرّية مع تل أبيب منذ أكثر من عقد، حسب الصحف الإسرائيلية. وهو أيضا ما عرفناه أخيرا بشأن ما بين المغرب وإسرائيل، حيث بدأت المحادثات بينهما لاستئناف العلاقات خلال العامين الأخيرين، من دون الإعلان عنها، وذلك قبل توقيع اتفاق على ذلك بين الطرفين الأسبوع الماضي.
ما يثير التأمل هنا أن إسرائيل تكاد تكون المستفيد الوحيد من الإعلان عن تطبيع علاقاتها مع السلطويات العربية، فهي من جهة كمن يُخرج لسانه للشعوب العربية، ويتحدّاها بأن الأنظمة معها، ولا يضيرها رفض الشعوب لها. ومن جهة ثانية، لن تحزن كثيراً إذا انتفضت الشعوب العربية، وقمعت انتفاضاتها هذه الأنظمة، وذلك على غرار ما حدث في سورية ومصر وليبيا واليمن، فالضعف والتفكك والانقسام العربي مصلحة إسرائيلية أصيلة. وهو ما يحدث الآن حرفياً في البلدان التي تشهد تطبيعاً مع إسرائيل. وإذا تابعت الحوارات والنقاشات حول المسألة على "السوشيال ميديا" وفي الفضائيات سوف تكتشف أن ثمّة "حربا إعلامية" بين مختلف الأطراف حول مسألة التطبيع بين الرفض والقبول والتبرير.
على مدار السنوات القليلة الماضية، تمتّعت الأنظمة السلطوية بقدرٍ من الشرعية والرضا بسبب عدم تطبيعها، على الأقل علنياً، مع الكيان الصهيوني. ونتيجة لأنها أنظمة مغتصبة للسلطة، فهي لا تحسب حساباً لشعوبها، ولا تأخذ رأيها في مسألة التطبيع من عدمه، وبالطبع لا تعترف برفضهم لها. ولكن هذه الأنظمة، مع الهرولة باتجاه التطبيع مع إسرائيل، تحرق آخر ورقة كانت تحتفظ بها في مواجهة شعوبها. وعلى العكس مما يعتقده بعضهم، فإن الوقاحة السلطوية في المجاهرة بالعلاقة مع إسرائيل تحمل مخاطر زيادة الاحتقان والغضب الشعبي تجاه هذه الأنظمة، وتجاه القوى السياسية المنخرطة في عملية التطبيع. صحيحٌ أن الأنظمة العربية لا تعبأ كثيراً بمشاعر شعوبها، ولا تكترث لرفضهم الواسع التطبيع، وذلك بحسب استطلاعات الرأي، وجديدها "المؤشر العربي" الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العام الماضي، ولكن الصحيح أيضا أن الاستخفاف بهذه المشاعر والاستهانة بها يضيف إلى مخزون الغضب الذي يتراكم في الشارع العربي، والذي قد ينفجر في أية لحظة تتوفر لها الظروف الداخلية والخارجية. قد لا تنتفض الشعوب العربية دفاعاً عن القضية الفلسطينية، ولكن قطعاً إذا انتفضت لن تكون فلسطين بعيداً عنها. ولنستعيد ما حدث في مصر عقب ثورة 25 يناير في العام 2011، حين تظاهر الآلاف أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وهاجموها بعد أيام من سقوط حسني مبارك، وذلك على الرغم من أن مصر طبّعت مع إسرائيل قبل ذلك بأكثر من ثلاثة عقود. وهو ما قد يحدث في المغرب، إذا ما زاد معدل احتقان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وحدث انفجار سياسي، وهو أمر ليس من المستبعد حدوثه في المدى القريب بأي حال.
بكلماتٍ أخرى، إذا كانت السلطويات العربية منتشيّة حالياً بعلاقتها مع إسرائيل، فعليها أن تستعد ليومٍ تنتفض فيه شعوبها، رفضاً لها ولتطبيعها المشين، فعلى نفسها جنت براقش.

البث المباشر