لعل كل ما حدث في مقام النبي موسى قبل يومين مثير للتساؤل، حفلة ورقص وخمور في مسجد أثري تقام فيه الصلاة خمس مرات، لا زال اسم الله يحلق من مئذنته!!
أجل كل ما حدث فيه حلقة مفقودة، وجب عليها أن تكون مقصودة، فلماذا تعطي وزارة السياحة تصريحا لإقامة حفل في مكان ديني؟!، هل ضاقت بها وبهم الأماكن؟! أم أن ما حدث بالأمس هو بالون اختبار، وجس نبض لما يمكنه أن يحدث غدا؟!
وهل هناك توجه نحو سرقة المساجد وتحويلها إلى أي كان، مثلما فعلت (إسرائيل) بالمساجد والأماكن الدينية في القدس وأكنافها، ومثلما تتمنى أن تفعل في مصلى باب الرحمة؟
هل ما حدث بالأمس وكاد يفقد الفلسطينيين عقولهم من فرط الاستغراب، يمكنه أن يكون بداية لتنسيق يحارب السياحة الدينية الإسلامية، تنسيق خفي بين السلطة و(إسرائيل)؟!
ما جرى بالأمس في مقام النبي موسى حفلة نظمتها مؤسسة "سيدة الأرض" التي طلبت تصريحا من وزارة السياحة والآثار، وحصلت عليه لإقامة الحفل في مقام النبي موسى وموقعين آخرين هما قصر هشام وسبسطية.
هذا يعني أن هناك تلاعبا في خلق الحقائق والتبريرات بين السياحة ووزارة الأوقاف.
يقول الكاتب علاء الريماوي: لقد سمعت من مسؤول قريب أن المديرية طلبت توظيفات في مقر النبي موسى ورفضت بدعوى عدم وجود تفريغات مالية، لماذا لا يكون هناك موظفون في إدارة المسجد الأثري المهم.
ويضيف الريماوي: إدارة المكان أعُطيت من خلال مناقصة لشركة ربحية واللافت للنظر أن النظام أسس على شكل فندقي، والشباب في الصور يلقون الأسرة وأماكن للنوم، وكأن الموضوع عبارة عن تطوير لإدارة سياحية لمسجد!
ويتساءل الريماوي: من يتحمل مسؤولية ما جرى؟ ولماذا تعاملت وزارة السياحة بخفة مع مسجد وكأنه حانة من حانات اللعب؟ كما أن وزارة الأوقاف تتحمل مسؤولية وتنازلها لوزارة السياحة يعني أنهما شريكتان في الجريمة التي تمت.
ويحتاج المسجد إلى إعادة اعمار من خلال أئمة وحراس وموظفين ولجنة لإدارته الدينية والتاريخية، وعن ذلك يقول الريماوي: المشكلة لم تنته، المشكلة يجب أن تحل من خلال ابطال عقود ربحية مع شخصيات ومؤسسات لا علاقة لها بالأماكن المقدسة، ومن يدخل يرى أنه لا يحترم كمسجد، المسلم وغير المسلم يدخل الى المكان دون مراعاة حقوق المكان الإسلامي.
ويذكر أنه ومن المعلوم أن السلطة عملت على مدار سنوات إلى محاربة المساجد والتجمعات بها، خاصة في منتصف التسعينات، مع انطلاق عمليات الثأر المقدس الذي قادها الشيخ حسن سلامة عام 98 مخافة من تحولها لأماكن تجمع المقاومة في الضفة ومقرات لمعارضي سياسة الضفة.
ويفسر علاء الريماوي ما جرى في مكالمة مع "الرسالة" بأن المسجد يمتاز بجمالية عالية وعلى مساحة شاسعة وهو مغر للاستثمار، لأنه يمكن أن يفضي إلى كثير من الأرباح.
ويرى أن الدافع لهذا الاستثمار هو تفريط وزارة الأوقاف فيه كمعلم ديني فاستغلت الأمر وزارة السياحة، والعمل الذي يتم الآن فيه له بعدان من وجهة نظر الريماوي: الأول يتعلق بالربحية والثاني هو عدم تقديس المساجد التي يجب أن تقدس.
وبالإضافة الى ذلك يرى الريماوي أننا أمام سلطة فاقدة للرؤية ولكل المعلومات التاريخية، موضحا أنها لا تقدر قيمة الكنوز لديها والمكنونات والثروات التاريخية.
ويختم الريماوي: هذا اليوم يعتبر اغتيالا معنويا بالإضافة الى أن الأمر في سياقه الحالي والتكوين للسلطة لا يعطي المساجد أهميتها التي تستحقها، فالسلطة لم تبذل جهدا للحفاظ على الحرم الإبراهيمي، ولم تكترث لتقسيمه، وبالتالي ها هي تتعامل مع "النبي موسى" كسلعة تريد استثمارها والتربح من ورائها.