حُلّ الكنيست الإسرائيليّ الثالث والعشرون بعد فشل الائتلاف الحاكم بين "الليكود"، بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحزب "أزرق أبيض"، بزعامة غانتس، في الوصول إلى تسوية متعلّقة بإقرار الموازنة العامة لكيان العدو الصهيوني لمدة عامين. وبناءً عليه، يتوجّه الصهاينة إلى انتخابات عامة ستكون الرابعة خلال عامين، وبعد 7 أشهر على تشكيل الحكومة، في مشهد يعكس الأزمة الحزبية السياسية الإسرائيلية، رغم إنجازاتها الخارجية غير المسبوقة على صعيد التطبيع العربي.
من أبرز انعكاسات الأزمة حالة الانشقاقات التي طالت الأحزاب الرئيسية، فعلى صعيد "الليكود"، شهد الحزب انشقاق جدعون ساعر وتشكيل حزب جديد باسم (أمل جديد). ، ثم لحق به عدد من أعضاء "الليكود" من وزراء ونواب كنيست.
الحزب المنافس "يوجد مستقبل"، بزعامة مئير لبيد، شهد أيضاً حالة انشقاق في أحد أهم أركان ومنظري الحزب عوفر شيلح، الذي ينوي تشكيل حزب سياسي جديد للمنافسة في الانتخابات القادمة أو الاندماج في أحد الأحزاب الجديدة،، كما ترك بعض أعضاء "أزرق أبيض" الحزب نتيجة تهاوي شعبيته ولم يبق من البارزين سوى رئيس الحزب بيني غانتس.
ما زال المشهد في بدايته، والحلبة السياسية الصهيونية حبلى بالأحداث، وتشكُّل الأحزاب والتحالفات ما زال باباً مفتوحاً على مصراعيه، خاصة بعد تشكيل رئيس بلدية تل أبيب اليساري خولدائي حزب الإسرائيليون. وفي الأيام القادمة، ستكون الصورة أكثر وضوحاً لخارطة الأحزاب السياسية المنافسة في انتخابات آذار/مارس 2021، لكن القراءة الأولية للواقع الحالي تقودنا إلى الحديث عن أن الانتخابات القادمة ستشهد منافسة قوية بين اليمين واليمين في ظل انحسار كبير جداً لليسار، حتى أحزاب المركز والوسط تعاني من تراجع كبير، بحسب استطلاعات الرأي.
الجمهور الصّهيونيّ يمنح أصواته بصورة كبيرة لليمين واليمين المتطرف، فالأحزاب الثلاثة الأولى التي تتصدَّر المشهد يمينية من رحم يميني، يتصدَّرها "الليكود" بزعامة نتنياهو، يليه حزب ساعر الجديد، وهو أكثر يمينية من نتنياهو. أما في المركز الثالث، فيحل زعيم حزب "يمينا" نفتالي بنيت، هو من التيار الصهيوني الأكثر تشدداً ويمينيةً في الساحة الإسرائيلية، تضاف إليهم الأحزاب المنطوية تحت اليمين، وهي الأحزاب الحريدية التي حافظت على عدد مقاعدها في الانتخابات الثلاث السابقة، مثل "يهودا هاتوراه" وحزب "شاس"، كما أننا لا يمكن أن نستثني هنا حزب "إسرائيل بيتنا"، بزعامة ليبرمان، من كونه يمينياً هو الآخر.
إنه واقعٌ تتنافس فيه 3 أحزاب سياسيّة خرجت من رحم "الليكود"، نتيجة خلافات شخصية مع نتنياهو، إلا أنّها لا تختلف عنه سياسياً وفي المواقف المتعلقة بالاستيطان أو القضية الفلسطينية، كما أنّ الأكثر لفتاً للانتباه أن زعماء الأحزاب الثلاثة عملوا مع رئيس الحكومة نتنياهو خلال السنوات الماضية كمديرين لمكتبه، وكانت تجمعه بهم علاقات قوية قبل أن تسوء. بناء على ذلك يتنافس نتنياهو مع ليبرمان الذي يمثل أغلب كتلة الروس في "إسرائيل"، وبينيت زعيم حزب "يمنيا" الاستيطاني، وساعر المنشق الجديد عن "الليكود".
كل ذلك يعقّد مهمّة نتنياهو في حال فوز حزبه بالمركز الأول في الانتخابات القادمة، فكما ذكرنا، إنَّ مشاكل زعماء الأحزاب المنافسة لنتنياهو شخصية، وخروجهم من "الليكود" لم يكن بدافعٍ سياسي أو خلاف على برامج، ما يوحي بأنهم قد يتمترسون عند مواقفهم، ويرفضون التحالف مع نتنياهو، وهذا يعني أنَّ الانتخابات الخامسة ستكون خياراً وسيناريو مطروحاً وله حظوظه.
انتخابات رابعة خلال عامين وما زال نتنياهو صامداً أمام الأحزاب الإسرائيلية. وعلى الرغم من تعقيد المشهد السياسي أمام نتنياهو في الانتخابات القادمة، ولعلَّ أهمها غياب صديقه ترامب عن البيت الأبيض، ولكن يمكن القول إنَّ الرجل صاحب الخبرة الطويلة في شقّ الأحزاب وتشرذمها، ربما يكون قادراً على الحفاظ على نفسه في سدّة حكم "إسرائيل"، رغم كل ما يتعرض له، وإن غاب عن المشهد، فما زال مشهد غياب اليمين عن الحكم بعيد المنال، فهل يعي محمود عباس الخارطة؟