خمسة وعشرون عاما مرت على استشهاد المهندس يحيى عياش، أحد أبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، بداية تسعينيات القرن الماضي، ومهندسها الأول فيما لا يزال الاحتلال يذكر أثر المواد المتفجرة التي صنعها المهندس حتى اليوم.
المهندس الأول، وصقر الكتائب.. هكذا أطلق عليه الفلسطينيون، فيما لقبه الاحتلال بالثعلب، والرجل ذو الألف وجه، والعبقري، والمطلوب رقم واحد، الذي زلزل أمن الكيان، وأدخل على قاموس المقاومة مفهوم السيارات المفخخة، والعمليات الاستشهادية.
المهندس الأول
ولد يحيى عياش، في السادس من شهر مارس عام 1966م، في قرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الهندسة بقسم الهندسة الكهربائية، وتزوج إحدى قريباته وأنجب منها ولدين هما البراء ويحيى.
نشط عياش خلال الانتفاضة الأولى في صفوف كتائب عز الدين القسام، وأمام شح السلاح والمواد المتفجرة، ركز عياش نشاطه في مجال تصنيع المتفجرات، لينفذ أول تجربة لصناعة عبوة مفخخة بأحد كهوف الضفة بداية عام 1992، ويغدو المهندس الأول في صناعة المتفجرات.
العمليات الاستشهادية
وأمام هذا النجاح والنقلة النوعية التي أحدثها عياش في تطور العمل المقاوم، وإزاء جرائم الاحتلال المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، ابتكرت كتائب القسام أدوات جديدة لمواجهة الاحتلال عبر العمليات المفخخة التي أشرف عليها عياش، فنفذت الكتائب سلسلة من العمليات الاستشهادية النوعية التي هزت الكيان الإسرائيلي.
ففي الخامس عشر من مارس 1993 نفذ الاستشهادي ساهر تمام أول عملية استشهادية تفجيرية ولأول مرة بمنطقة ميحولا في غور الأردن، وبالتحديد في مقهى "فيلج إن" ليقتل ويصيب عشرات الإسرائيليين.
وعلى إثر مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، قاد عياش رد الكتائب عبر سلسلة من العمليات الاستشهادية، لتأتي عملية العفولة في 6/4/1994م، التي نفذها الاستشهادي القسامي رائد زكارنة في محطة باصات العفولة وأدت إلى مقتل 9 صهاينة وجرح 50 آخرين، وحملت العملية بصمات المهندس الشهيد يحيى عياش ليخط بذلك عياش شكلاً جديداً من المواجهة مع الاحتلال.
ما شهدت به الأعداء
تحوَّل المهندس عياش بعملياته الاستشهادية، إلى كابوس يهدد أمن الكيان الصهيوني وأفراد جيشه الذي يدَّعي أنه لا يُقهر بل وقادته أيضاً؛ حتى قال عنه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آنذاك: "لا أستطيع أن أصف يحيى عياش إلا بالمعجزة، فدولة إسرائيل بكل أجهزتها لا تستطيع أن تضع حداً لعملياته".
كما أن أحد كبار القادة العسكريين الصهاينة، شمعون رومح، قال إنه "لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطراً للاعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه، وعلى قدرة فائقة على البقاء وتجديد النشاط دون انقطاع".
وقد بلغ هوس الاحتلال ورعبه من المهندس يحيى عياش ذروته، حين قال رئيس حكومة الاحتلال آنذاك إسحق رابين: "أخشى أن يكون عياش جالسا بيننا في الكنيست ".
الاغتيال
وأمام حالة الاستنزاف التي أوجدها عياش لدى الكيان الإسرائيلي عبر إشرافه على العديد من العمليات الاستشهادية التي أودت بحياة ما يزيد على 76 إسرائيلياً، شددت دولة الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة مطاردتها له، مما اضطره إلى الانتقال إلى قطاع غزة.
وفى الخامس من يناير من عام 1996 وبعد رحلة جهادية طويلة تمكنت المخابرات الإسرائيلية من اغتيال المهندس الأول والقيادي في كتائب القسام يحيى عياش عبر مادة متفجرة وضعت في بطارية هاتفه النقال؛ ليرتقي عياش شهيداً.
عمليات الثأر المقدس
شيّع عياش مئات آلاف الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما شيّعه تلامذته على طريقتهم الخاصة، لينفذوا سلسلة عمليات الثأر المقدس، التي هزت قلب الكيان "الإسرائيلي".
وكانت باكورة العمليات الاستشهادية، عبر العمليتين اللتين نفذهما الاستشهاديان إبراهيم السراحنة، ومجدي أبو وردة، من مخيم الفوار قرب الخليل، وتواصلت العمليات حتى بلغ عدد قتلى الاحتلال نتيجتها ما يقارب 48 إسرائيلياً.
نجح الاحتلال في اغتيال الشهيد القائد يحيى عياش خلال مسيرة المقاومة، لكنه فشل في استئصال ما زرعه القائد عياش من مقاومة باتت اليوم أقوى عوداً، وأشد صلابة، وأقرب إلى التحرير.