تواصِل حماس تقديم البراهين على حرصها الوطني، وهذه المرة وصلت بموافقتها على إجراء الانتخابات بالتتالي وليس التزامن، إلى مستوى الريبة من اليوم التالي لهذا القرار.
وفي اليوم الذي أعلن فيه رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بروزَ فرصة لاستئناف الحوار الوطني، كان العم "سعيد عرمه" البالغ من العمر 51 عامًا يقاوم رصاص جنود الاحتلال على تلال قرية "دير جرير" شرقي رام الله وسط الضفة المحتلة، في مشهد يليق ببداية سنة فلسطينية ميلادية جديدة.
هذا المشهد كان كفيلًا بتثبيت الهوية الفلسطينية، وترميم آثار ما أحدثه الانقسام والخلاف في أولويات الفلسطيني وأجندته الوطنية، حتى بات كهلًا معزولًا ويقاوم منفردًا، إلى جانب قلّة شابّة تفوَّقت على السياسيين في معرفة البوصلة التي تشير إلى فلسطين. فهل كان العم سعيد سيواصل الانتظار أكثر كي يفرز له الحوار الوطني "صيغة مقاومة" تحمي ظهره على الأقل؟
مشهد العم سعيد هو بحد ذاته استفتاء شعبي صريح على شكل المصالحة التي يريدها شعبنا الفلسطيني وتناسب كينونته وتطلعاته، بعد أكثر من 14 عامًا من المحاولات الذاتية أو بدفع خارجي استثناءً، وهي شكل الوحدة التي تبدأ بالإجماع الوطني على "مقاومة العم سعيد".
كثيرة هي الأسباب والدوافع -التي نعلمها أو لا نعلمها- قد تكون قادت حماس إلى الخطوة المحشوّة بالتحديات، والتخلّي عن شرط تمسَّكت به طويلًا وهو "التزامن" للانتخابات، لكن ما نعلمه يقينيًّا أن في مقدمة هذه الأسباب هو ما قاله العم سعيد عندما تحين الظروف: إن "الفلسطيني يعرف واجبه جيدًا".
نفترض أن حماس بتجربتها الطويلة في هذا المسار، استطاعت أن تؤمّن نفسها في التعامل مع أشخاص معتادين على خرق المراكب وتعطيلها، وأن تدفع في مواجهتهم بمواقف الشرفاء وإسنادها، حتى وجدت نفسها في مهمة معقَّدة داخل مهمة أكثر تعقيدًا.
هذه الخطوة تبدو محفوفة بالمخاطر -برأي كثيرين- انطلاقًا من دوافع الطرف الآخر أو عدم رغبته، لكنها من وجهة نظر "العم سعيد" مغامرة واجبة إذا كانت كفيلة بألا تُبعد الخيط عن رأس الإبرة، خاصة مع تصاعد التهديدات والمخاطر المحدقة بقضية الفلسطيني ووجوده.
وستظهر الإجابات على ذلك في مدى صدق الرئيس محمود عباس في إجراء الانتخابات التي تلي التشريعية، وتحديدًا التي تخصّ منظمة التحرير وتعيد إصلاحها، ثم مدى فعالية الضمانة الدولية في هذه الحالة؛ لذلك يتبنى كثيرون الرأي القائل إن "الأصل أن نبدأ بالعنوان الأساسي وهو منظمة التحرير".
ينتمى "العم سعيد" إلى المدرسة التي لا ترى فناءً لثائر، لذلك يطمئن إلى أي خطوة تصون الوطن وترفع أركان الديمقراطية، وينظر إلى استمرار الانقسام على أنه من مضاعفات الهزيمة التي يجب ألا يقبل بها الجميع، وهي الرؤية التي تنطلق منها مبادرة حماس، وتأتي بدافع الثقة والشجاعة على اتخاذ القرارات وحسمها، والعمل بدافع من موقعها الوطني، وموقعها على المستوى العربي والدولي الذي ظهر في مستوى الضمانات التي قُدَّمت لها، ثم العمل على المدى القريب من أجل غدٍ ينادي فيه العم سعيد وبيده مقلاعه: "نحن الوطن القادم".