إلى الجنوب من الخليل، تقع مسافر يطا، حارسة الليل، المتلحفة بالسماء دوما، المهددة بالإبادة في أية لحظة، شوكة تحرس البوابة الجنوبية للمدينة المقدسة وتقف في حلق المحتل.
خطة (إسرائيلية) ممنهجة، وعمليات إبادة جماعية، هدفها تطهير عرقي للمنطقة لصالح الاستمرار في المشروع الاستيطاني (الإسرائيلي).
وعلى مشارف الأرض راسخة الجذور قبل يومين، سقط الشاب هارون رسمي أبو عرام، وهو يحاول تخليص مولد كهربائي، يستعين به في زراعة أرضه من يد الاحتلال.
خاض الشاب البالغ من العمر أربعة وعشرين عاما، معركة غير متكافئة، ليحصل على حق الاحتفاظ بماتور كهرباء، يستعين به في فلاحة أرضه، موتور كهرباء فقط!
يعلم أبو عرا أن الحياة أصبحت في ظل السلطة معركة فردية بين المواطن والمحتل، فالسلطة لفرط مشهد الهزيمة المخزي ليس لديها القدرة على إعادة ماتور كهربائي لفلاح بسيط.
حق قليل جدا من حقوق هارون لم يجد له سندا في منطقة تغول فيها المحتل حد البؤس، تحت راية التنسيق الأمني، خيبة وصلت إلى عجز في حفظ حق بسيط لفلاح على أرضه !
الرصاصة "الغادرة" التي اصابت عنق أبو عرام، أحدثت، كما يقول مدير عام المستشفى الأهلي في الخليل الدكتور يوسف التكروري، "تهتكا في عموده الفقري، وأدت الى قطع في النخاع الشوكي، وتسببت له بشلل رباعي".
وعن المأساة التي فجعت العائلة تقول والدة أبو عرام، إن ابنها البكر يرقد الآن في حالة صحية مؤسفة، لا يقوى على الحركة أو التواصل مع أحد، بينما أكدت أن هذه هي الحياة التي يحياها كل أهالي مسافر يطا سواء على يد الجنود أو المستوطنين، تخويفا وترهيبا للمزارعين العزل، فالجندي أطلق الرصاصة على رقبة ابنها من مسافة صفر، متعمدا.
ليست معاناة مسافر يطا جديدة فقد بدأت منذ عام 2012، حينما طلبت إدارة جيش الاحتلال ضرورة اتخاذ قرار بشأن اثنتي عشرة قرية ممتدة جنوب الخليل لاستغلال أراضيها لصلاح تدريبات عسكرية، فأمرت وزارة جيش الاحتلال بإخلاء ثماني قرى من أصل 12، وهي عدد القرى الكلي في المسافر.
وبدأ الاحتلال مجددا قبل شهرين بإخلاء أربع قرى بشكل كامل، وهي: الفخيت وسط المسافر، والتبان والمجاز شرقاً، والحلاوة غرباً.
وخلال أحد عشر عاما من التهديد بالطرد ومصادرة الأراضي بسبب التدريبات العسكرية لجيش الاحتلال، خسر أهالي المسافر العديد من أبنائهم منذ إعلان مسافر يطا منطقة عسكرية مغلقة، وتشمل التهديدات الاسرائيلية والمطامع الاستيطانية عمليات ترحيل جماعية في هذه الخرب والقرى التي تبلغ مساحة أراضيها نحو (38500 دونم).