كثير ما تصاب الشعوب والثورات بداء المحترمين وأصحاب ربطات العنق من ذوي الهيئات يلبسون بدلة الواقعية ويتكلمون بثقافة مركبة بين الثورة والقبول بالاستعمار لا يخسرون شيئا يفتحون الطريق امام الثورة لبدء حوار مع مثقفي الغرب يتكلمون بلغة لا تزعج الاستعمار يبتسمون لكاميرات الفضائيات الغربية ولهم أصدقاء من النمسا وسويسرا لينقلوا وجهة نظرهم المحترمة لبريطانيا وأميركا .
لم تغب عن ذاكرة تأريخ الثورة الفلسطينية حملات استدراج التطبيع وقبول الاخر التي قادتها أجهزة المخابرات العالمية تحت مسميات المثقفين والأكاديميين أو السياسيين المعارضين للاستعمار حينها تشربت المنظمة ان فكرة أبادة (إسرائيل) تغلق باب الحوار وتظهر المنظمة كيانا ارهابيا يفقد تعاطف الشارع الغربي ولأجلها خرج ياسر عرفات لسنة 1974 ليعلن سقوط شعار البندقية اعلاءً لشعار "لا تُسقطوا غصن الزيتون من يدي " ثم يكمل ياسر عبد به المشوار لتنتهي المنظمة معترفة بإسرائيل ككيان وجد ليبقى.
ليس غريباً أن أصبح متطرفاً او ربما متهوراً ومخبصاً بلغة اهل غزة وغريباً أو أي شيء يدل على أنني غير واقعي, جزاءً وفاقاً لما أكتب واتحدث به عن وجوب إبادة (إسرائيل) وجريمة احترام الاتفاقيات معها وسخافة فكرة هدنة طويلة الامد مقابل دولة في ال67 في لغة كادت تنقرض من لغة المثقفين والكتاب خشية القذف بالتطرف.
وليس غريباً ان تخرج علينا ربطات العنق بمفردات إسلامية تروق لبعض شيوخ الحركة, لا يتحدثون من فوهات البنادق ويتحدثون عن القضية الفلسطينية من دائرة حقوق الانسان والحصار والأكل والشرب يلومون (إسرائيل) على احتلال غزة والضفة حذفوا من ذاكرتهم وثقافتهم حيفا ويافا وكل فلسطين, يتحدثون بجهل عن صلح الحديبية يجيدون سرد قدرات (إسرائيل) وموازين القوة في العالم استبعدوا وعد الاخرة وتجاهلوا "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله".
والغريب ألاَّ تستعد حماس والفلسطينيون ليوم الزوال يجهزون كواشين الأرض ويعقدون المؤتمرات الهندسية المسبقة لإعمار فلسطين وإزالة ركام التتبير بأيدي اليهود وأيدي المؤمنين يضعون المقترحات لتوزيع الأرض على اصحابها والمجاهدين يعملون الورش القانونية استعدادا لمحاكمة اليهود ويضعون الخطط البديلة لتوصيل الكهرباء والماء الى المدن والقرى خوفا من قيام فلول اليهود بتدمير المحطات والابار.
والغريب أيضا الاًّ يستعد الفلسطينيون لتجهيز نشيد وطني جديد وتجهيز يافطات بأسماء المدن والقرى الفلسطينية وغريب أيضا ألا توقَّع على خرائط المدن الفلسطينية جميع منازل المهجرين ويجهزون مخططات هندسية لتجديد منازلهم وغريب ألا يستعد الفلسطينيون لخوض انتخابات بلدية المجدل وحيفا ويافا وان يعقدوا صفقات لتصدير المنتجات الزراعية ومنسوجات المجدل.
والغريب ان يصبح هذا الكلام غريبا فطوبى للغرباء.