لفترة طويلة، لم يتضح ما إذا كانت البكتيريا غير الضوئية تخضع أيضا لإملاءات إيقاعات الساعة البيولوجية أم لا، وقد ظل هذا الأمر لغزا محيرا للعلماء لفترة طويلة. والآن، في اكتشاف هو الأول من نوعه، وجد العلماء أن لدى البكتيريا غير الضوئية ساعة بيولوجية أو ساعة يومية داخلية مماثلة للإيقاعات ذاتها التي تسيطر على العديد من أشكال الحياة الأخرى مثل النباتات والحيوانات وحتى البشر.
يجيب البحث الجديد المنشور بدورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) بتاريخ 8 يناير/كانون الثاني الجاري، عن سؤال بيولوجي قديم يمكن أن تكون له آثار كبيرة على توقيت تعاطي الأدوية، والتكنولوجيا الحيوية، وكيفية تطوير حلول علمية لحماية المحاصيل.
الساعة اليومية
تُمَكِّن الساعة البيولوجية الكائن الحي من توقع التغيرات البيئية اليومية المتوافقة مع دورة الليل والنهار وتعديل بيولوجيته وسلوكه تبعا لها. وقد اكتشفت هذه الظاهرة في معظم الكائنات الحية، ومدتها حوالي 24 ساعة (اليوم الشمسي للأرض حاليا) لدى غالبيتها، وتوجد هذه الإيقاعات، أو آليات التوقيت داخل الخلايا، وتستخدم الإشارات الخارجية مثل ضوء النهار ودرجة الحرارة لمزامنة الساعات البيولوجية مع بيئتها.
وعلى الرغم من أن البكتيريا تمثل 12% من الكتلة الحيوية للكوكب، فإنه لا يُعرف سوى القليل عن ساعاتها البيولوجية، والتي تم اكتشافها من قبل فقط في البكتيريا التي تستخدم الضوء لصنع الطاقة الكيميائية، ولكن البكتيريا غير الضوئية ظلت لغزا في هذا الصدد.
الإبلاغ عن لوسيفيراز
وقد طبق الفريق تقنية تسمى الإبلاغ عن لوسيفيراز، والتي تتضمن إضافة إنزيم ينتج تلألؤا بيولوجيا يسمح للباحثين بتصوير مدى نشاط الجين داخل الكائن الحي. وركزوا على جينين: أولا، جين يسمى "واي تي في إيه" (ytvA) والذي يشفر مستقبلات الضوء الأزرق وثانيا إنزيم يسمى "كيه آي إن سي" (KinC) يشارك في تحفيز تكوين الأغشية الحيوية والجراثيم في البكتيريا.
ثم لاحظوا مستويات الجينات في الظلام الدائم مقارنة بدورات 12 ساعة من الضوء و12 ساعة من الظلام. ووجدوا أن نمط مستويات تعبير جين "واي تي في إيه" قد تم تعديلها وفقا لدورة الضوء والظلام، مع زيادة المستويات أثناء الظلام وتناقصها في الضوء.
استغرق ظهور نمط مستقر عدة أيام، ولاحظ الباحثون كيف يمكن عكس النمط إذا انعكست الظروف. هاتان الملاحظتان هما سمات مشتركة لإيقاعات الساعة البيولوجية وقدرتها على "الانجراف" إلى الإشارات البيئية.
ثم أجرى الباحثون تجارب مماثلة باستخدام التغيرات اليومية في درجات الحرارة، ووجدوا أن إيقاعات الجينات تم تعديلها بطريقة تتوافق مع إيقاعات الساعة البيولوجية، وليس مجرد تشغيل وإيقاف استجابة لدرجة الحرارة.
البكتيريا تحدد الوقت!
تقول المؤلفة الرئيسية مارثا ميرو، من جامعة لودفيغ ماكسيميليانس (Ludwig Maximilians) بميونخ في بيان صحفي لمركز جون إينيس (The John Innes Centre) بالمملكة المتحدة، "لقد وجدنا لأول مرة أن البكتيريا غير الضوئية يمكنها تحديد الوقت".
ويقول كوس كوفاكس -المؤلف المشارك من الجامعة التقنية في الدانمارك (Technical University of Denmark)- في البيان الصحفي نفسه، " تُستخدم بكتيريا العصوية الرقيقة في تطبيقات مختلفة بدءا من إنتاج منظفات الغسيل إلى حماية المحاصيل، بالإضافة إلى استغلالها مؤخرا كبروبيوتيك (مكملات غذائية) للإنسان والحيوان، وبالتالي فإن هندسة ساعتها البيولوجية ستبلغ ذروتها في مجالات التكنولوجيا الحيوية المتنوعة". ويضيف الدكتور أنتوني دود من مركز جون إينيس "تفتح دراستنا الأبواب للتحقيق في إيقاعات الساعة البيولوجية عبر البكتيريا".
الآثار المترتبة على هذا البحث يمكن استخدامها للإجابة عن أسئلة مرتبطة بالتوقيت اليومي مثل: هل توقيت التعرض للبكتيريا مهم لإحداث العدوى، وهل يمكن تحسين عمليات التكنولوجيا الحيوية الصناعية بأخذ الوقت بعين الاعتبار، ثم هل توقيت أخذ العلاج المضاد للبكتيريا مهم؟
المصدر : الصحافة الأسترالية