قائمة الموقع

مقال: الانتخابات الفلسطينية: قراءة تقديرية في أوزان الفصائل والأحزاب

2021-01-30T11:56:00+02:00
حسن أبو حشيش
د. حسن محمد أبو حشيش

المتتبع لحركة المجتمع الفلسطيني يجد أن مبدأ الانتخابات ليس غريبا عنه, حيث مارسها في المؤسسات المجتمعية والنقابات والجامعات قبل إنشاء السلطة ’ وبقي يمارسها بعد السلطة مع توسع بنكهة سياسية لتشمل البلديات , والمجلس التشريعي, ورئاسة السلطة , فجرت الانتخابات البلدية عدة مرات , والتشريعية والرئاسية مرتين من 1996م -2021 م , ولكن الانتخابات الثانية 2006م  أحدثت زلزالا في النتائج , وتغيرا شبه جذري في أوزان الفصائل , وصدم الواقع كل المراقبين , وأربكت حسابات أصحاب النفوذ من أمام الستارة ومن حلفها , ومن أمام الجدران ومن ورائها...وهذا نابع من حصول كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحماس المعارضة على غالبية المقاعد التشريعية ... باختصار هذه النتائج كانت صاعقا اعتمدت عليه الأطراف صاحبة القرار والنفوذ لرفض عملي للنتائج , فأدخلت الحالة الفلسطينية في  تصدع وفرقة وشقاق وفلتان وفوضى... وظهر مصطلح (الانقسام) السياسي والمجتمعي والجغرافي . وبقي إلى اليوم 2021م  , والحياة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني معطلة بقرار من الداعم المالي ومالك القرار ,. لكن 13 سنة كفيلة بأن تغير الظروف والأحوال وزوايا الرؤية , ولاعتبارات عديدة متداخلة باتت واضحة لا مجال لاستحضارها في هذا المقال , بدأت المطالبات بإجراء الانتخابات وتجديد الشرعيات , وكان ما تابعناه جميعا من حوارات نتج عنها مراسيم , وسيلحقها حوارات في القاهرة لتفاصيل ودقائق الأمور . وبات المجتمع الفلسطيني يعج  في نقاشات الانتخابات والتوقعات والأحلاف . في هذا المقال أحببت, أن أضع الجمهور الكريم بخارطة الفصائل مع الأوزان المتوقعة , و ما عليها وما لها , وذلك استنادا لقراءة شخصية ووجهة نظر وتجربة حياة .

الشعب الفلسطيني يضم عشرات الفصائل وهو المصطلح الذي يدلل على الأحزاب في مجتمعات أخرى , ومن مكونات المجتمع الأهلي , وبالنظر لمسار الخارطة السياسية أتوقع أننا أمام أربعة تيارات كبرى , لنرى ما يملك كل تيار من نقاط قوة وما عليه من نقاط ضعف خلال المدة المنصرمة وهي مدة الانقسام (13 سنة).

أولا : تيار السلطة الرسمي بقيادة حركة فتح :

وهو التيار العريض الذي يمثل الجهات الرسمية المتمثل في المنظمة والسلطة , وهو يملك نقاط قوة تساعده على المنافسة الانتخابية أهمها :

_ موروث نضالي متنوع ممتد من عام 1967م , يوفر مضمونا خطابيا مناسب .

- علاقات رسمية لدى المنظمات العربية والإسلامية والدولية تضمن له دعما معنويا وماديا , وأمانا واستقرارا .

- المسئول عن الاتفاقيات مع الاحتلال وتطبيقها بدقة , الأمر الذي يجعله مقبولا لديه وبالتالي تسهيل مهام الحياة اليومية للمواطن في غزة والضفة والقدس من خلاله .

-السيطرة على الإمكانيات البشرية والمادية للسلطة , وبالتالي قدرته على التأثير على الصوت الانتخابي الرسمي , واستغلال مؤسسات السلطة لصالحه .

وفي المقابل فإن هذا التيار عليه مآخذ عديدة وهي نقاط ضعف من شأنها تؤثر سلبا على وضعه ووزنه الانتخابي من أهمها :

- غالبية نقاط القوة لهذا التيار مرتبطة بالغير والدعم من المستوى الرسمي ومن الاحتلال وليس عوامل قوة ذاتية .

- إصراره على التمسك باتفاقيات أوسلو رغم انتهائها وفشلها.وخاصة شقيها الأمني والاقتصادي.

- المنهج الدكتاتوري الذي يمارسه هذه التيار في قيادة السلطة وقيادة منظمة  التحرير.

- تهميش وتعطيل دور منظمة التحرير واختزالها بمؤسسات السلطة وبالتالي تهميش وإهمال الشعب الفلسطيني في الشتات والذي يمثل خمسين بالمائة من مجموع الشعب .

-رفض فعلي وعملي لنتائج انتخابات 2006م وتعطيل الانتخابات بأنواعها من 2006-2021م ,الخطوة التي سببت في شرخ الحالة الفلسطينية .

- المساهمة القوية في محاصرة محافظات غزة وتطبيق قرارات الفصل الوظيفي , وقطع الرواتب , ومنع الموازنات ,ووقف الترقيات, الأمر الذي طال أبناء السلطة وحركة فتح وحلفائها , وهذا اكتوى به كل أبناء غزة الذين يمثلون حوالي اربعين بالمائة من سكان الضفة والقدس وغزة.

- فشل التصدي للاستيطان في الضفة ,بسبب محاربة المقاومة حتى السلمية , وتجفيف منابعها ومطاردتها , وفي نفس الوقت السماح بانتفاخ المليشيات وانتشار سلاح الفوضى والعصابات .

- التشرذم التنظيمي , والتفكك الداخلي , والصراعات الناعمة والخشنة الذاتية , فحتى اللحظة نحن أمام عدة تيارات داخل هذا التيار : تيار عباس , تيار دحلان , تيار مروان البرغوثي , تيار عرفات .

- مازال ملف اغتيال الرئيس عرفات في ذمة هذا التيار , الذي عجز أو فشل أو يرفض إغلاق التحقيق وإعلان النتائج

ثانيا :التيار الإسلامي بقيادة حركة حماس :

وهذا التيار الذي عارض اتفاقيات أوسلو ودفع فاتورة  لهذا الموقف , وقاطع انتخابات  السلطة الرئاسية والتشريعية عام 1996م , وعادت حماس التي تقود التيار وتمثل أساسه القوي إلى المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي 2006 م بينما قاطعت انتخابات الرئاسة 2005م , واليوم يمثل التيار الكفة الموازية للتيار السابق(فتح) وقد قرر المشاركة في الانتخابات 2021 م.

هذا التيار يملك عناصر قوة قد تساعده في اللغة الانتخابية وتشكل مرتكزا للتعامل مع الناخب الفلسطيني من أهمها :

_ التمسك بمسار المقاومة فكرا وممارسة , وتطويره بشكل لافت .

_ الصمود في وجه العدوان الصهيوني في أربع جولات حرب على غزة (2006م ,2008م ,2012م ,2014م ) وتحقيق الردع .

-إنجاز صفقة وفاء الأحرار بعد نجاح في أسر الجندي المقاتل "شاليط " وفي تأمينه , والتفاوض عليه من مركز قوة لمدة خمس سنوات .

- القدرة على المحافظة على محافظات غزة منذ 2006م _ للآن بعد أن كان مخطط لها الانهيار والضياع والغرق في الحصار والفقر والجهل والمرض والتشتت المجتمعي .

- النجاح في إدارة علاقات خارجية متزنة مع الدول الصديقة والدول المعادية.

_ التعرض للاستئصال في الضفة الغربية والملاحقة في كل مناحي الحياة,  وإمكانية تبني خطاب المظلومة الكاملة .

_ا متلاكها أوراق قوية في ملف جنود الاحتلال ممن وقعوا في الأسر خلال عدوان 2014 م

_ القدرة على إعادة الأمن الشخصي والجمعي والعام بعد أن أوجده التيار السابق .

_ احترامه للفصائل ولمكونات المجتمع الأهلي والعمل على تحقيق الشراكة ونجاحه النسبي في غزة والخارج .

- تسجيل موقف عملي ونظري ضد التطبيع وضد صفقة القرن وسياسة ترامب في المنطقة .

_ النجاح في سد بعض الثغرات التي تركها منهج تهميش المنظمة للشعب الفلسطينيين في الشتات .

_ وحدة الصف والقرار , وغياب المحاور والشللية التنظيمية والانقسامات الداخلية .

وفي المقابل فإن هذا التيار يواجه نقاط ضعف ليس باليسيرة , وقدرتها على التأثير علىه وعلى  وزنه الانتخابي من أبرزها :

_ عدم رضا الاحتلال والمجتمع الدولي والنظام العربي الرسمي عليه وبالتالي محاربته بكل الطرق ومنعه من الانخراط في الحياة السياسية بما فيها الانتخابات .

_ الربط بين فوزه وبين الحروب والحصار والفقر , وهذا يخوف الناخب الفلسطيني .

_ وجود أخطاء في إدارة غزة , وفشل في بعض الملفات بسبب ذاتي وليس موضوعي,وفساد في ملفات أخرى تشكل مدخلا سلبيا ضده.

_ الاستسلام الواضح لقمعه وتهميشه في الضفة على مدار 13 سنة مما ساهم في تشكيل صورة  نمطية عنه تجعل الناخب لا يصوت له .

_ وثيقة حماس السياسية يعتبرها البغض نقطة ضعف وخاصة في تقارب البرامج السياسية ومرحلية الطرح والاقتراب مع رؤية تيار فتح السياسي .

ثالثا : تيار اليسار الفلسطيني :

وهو تيار قديم ومتنوع ’ وجزء مهم من النسيج المجتمعي ويعتبر نفسه طرفا ثالثا بين التيارين السابقين , وبالإمكان أن نحدد نقاط قوته :

_  له إرث نضالي محترم في مقاومة الاحتلال سياسيا وعسكريا .

 _ امتلك جرأة في التغير الفكري والفلسفي بعد سقوط الشيوعية والاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن العشرين .

_ نشاط مجتمعي وإعلامي واضح , والتواجد في المؤسسات الأهلية الصحية والحقوقية وعلاقات قوية بجهات داعمة دولية

ومن أهم نقاط الضعف لهذا التيار:

_ مازال الحاجز النفسي والمعنوي بينه وبين الجمهور لارتباطه تاريخيا بالشيوعية والاشتراكية كون المجتمع الفلسطيني متدين بفطرته .

_ارتضى العديد من رموزه العمل في مؤسسات دولية وبالتالي التأثير بالجهات الداعمة .

_ التشتت التنظيمي فهذا التيار له عناوين فصائلية كثيرة جدا ضمن مدارس الاشتراكية والقومية والبعثية , حتى اللحظة فشل تشكيل التيار اليساري الواضح وتحت قيادة وأجندة واضحة.

_ جزء يسير منه مع المقاومة بأنواعها , وأخر مع التسوية , وثالث مع المقاومة السلمية ...وهكذا .

_الحضور الميداني محدود عكس الحضور الإعلامي والسياسي, الذي لا يخدم في معارك انتخابية جماهيرية .

رابعا : تيار المستقلين :

من طبيعة بعض الناس أنها لا ترغب العمل العام من خلال أحزاب او جماعات , هذا الأمر انطبق على الحالة الفلسطينية وخاصة بعد الخلاف بين تيار فتح وتيار حماس , فبدأنا نسمع أصواتا تنادي بدور لشخصيات وتكتلات مستقلة , وسجل هذه المفهوم حضورا لافتا في بعض لقاءات الحوار الوطني وفي الإعلام ,كما وبدأنا نسمع محاولات تشكيل قوائم للمستقلين لخوض الانتخابات المقبلة .

هذه القوائم ممكن نسجل لها عدة نقاط قوة من أهمها :

_ احتمالية الاستفادة من الصوت الغاضب من كل التيارات الثلاثة التابعة للفصائل .

_ قد يكون بعض المستقلين مقببولين من الأحزاب أو من جهات عالمية داعمة فلا مانع من تواجدهم في المجلس التشريعي .

_ خلو صفحاتهم  الذاتية من أخطاء الأحزاب .

وفي نفس الوقت ممكن نسجل لهم نقاط ضعف تحول بينهم وبين اقناع الناخبين من أبرزها :

_ التصادم مع طبيعة المجتمع الفلسطيني الذي يميل إلى التحزب والعمل الوطني من خلال الفصائل .

_ تجربة الناخب الفلسطيني في الانتخابات السابقة ليست ايجابية مع الشخصيات المستقلة .

_ المنافسات بين التيارات قوية وشرسة ووصلت لدرجات من عدم الشرف والاحترام فكيف ستصمد شخصيات لا ظهر لها ولا جماهير تحميها .

_ أثبتت التجربة أن الغالبية العظمى ممن يقدمون أنفسهم ضمن المستقلين ينحدرون من فصائل وأحزاب , بمعنى أن الناخب يشعر بالخداع .

هذه لمحة موسعة عن خارطة التيارات من وجهة نظر الكاتب بناء على مشاهداته وتجاربه , قد يتفق معه البعض وقد يختلف , الأيام ممكن تثبتها أو تنفيها كليا او نسبيا .

انتظرونا في المقال المقبل  بعنوان : " صراع القوائم ...القائمة التي نريد ؟!

اخبار ذات صلة