تتقاطع وتنافر اهداف وتطلعات العديد من الأطراف المشاركة في حوار القاهرة الذي من المفترض ان يناقش ملف الانتخابات وملحقاتها، بحسب المواقف والتصريحات الإعلامية التي تشير الى جدول الاعمال المعلن لحوار القاهرة، بينما تتوارى اجندة خفيه تخدم برامج سياسية تستهدف إعادة هندسة المشهد الفلسطيني وفقا لمصالح الأطراف المشاركة في الحوار.
لنبدأ من الوسيط المصري الذي تربطه مصالح حيوية بالملف الفلسطيني عموما، وتلك المرتبطة بإنهاء الانقسام على وجه الخصوص، وبصفته أيضا ممثلا عن توجه إقليمي يستهدف إعادة هندسة البيت الفلسطيني بناء على تطورات مهمة أبرزها: ذاك الإرث الذي خلفته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتداعياته في مسار التطبيع، وإعادة رسم الخارطة السياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مقابل المتغير الاهم متمثلا برؤية إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نحو الشرق الأوسط عموما، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي على وجه التحديد.
وعليه لا تبدو مصر مجرد وسيط، بل فاعل مؤثر، له توجهاته من الحوار الفلسطيني الداخلي، التي تتركز بشكل أساسي، على إعادة ترميم تداعيات انتخابات 2006 التي جاءت بحماس الى الحكم، مع رؤية واقعية لدى السلطات المصرية اليوم تعترف بقوة وحضور لحماس لا يمكن تجازوه، لكن القاهرة تفضل تحجيمها، اذا استطاعت فتح تجاوزت أزمتها الداخلية، وأنهت مصارعة الديوك داخلها، لهذا سيكون على اجندة الحوار الخفية، مواصلة القاهرة جهودها وضغوطها من اجل اقناع قيادة فتح الذهاب للانتخابات في قائمة موحدة تعتمد على تسوية توافقية بين التيار الإصلاحي التابع لمحمد دحلان، وفتح برئاسة محمود عباس، تؤدي لنتائج تحافظ على تفوق حركة فتح في انتخابات المجلس التشريعي، على ان يتم النظر لاحقا في إمكانية الاستمرار بمراحل الانتخابات الاخرى، مع عدم تحمس الوسيط المصري الوصول الى محطة المجلس الوطني وإعادة تشكيل منظمة التحرير، لان الفيتو العربي لا يزال حاضرا ضد مشاركة حماس والجهاد في المنظمة، كما ان خطط استئناف مسار المفاوضات مع الاحتلال تتعارض مع ذلك، بل ان التوجه العربي والإقليمي، هو بقاء المنظمة عنوانا رمزيا معنويا للفلسطينيين، واعتماد السلطة الفلسطينية او (دولة فلسطين) الاطار المعتمد كعنوان تمثيلي فاعل ومعترف به.
أما حركة فتح، فتسعى الى حصر حوار القاهرة في البعد الفني والاجرائي والقانوني لانتخابات المجلس التسريعي، والمناورة بطريقة تمنع حماس من تشكيل جبهة موازية، وستحرص حركة فتح على ان تؤدي مخرجات الحوار الى المضي في انتخابات تضمن تجديد شرعيتها، على الأقل في اطار المجلس التشريعي والرئاسي، كي يتمكن الرئيس محمود عباس وفريقه تقديم أوراق الاعتماد مجددا للمجتمع الدولي، كما ستسعى فتح تقديم حوافز تشجيعية لحركة حماس وبعض الفصائل، لإقناعها بصيغ توافقية، وترحيل ملفات الخلاف الى محطة تشكيل الحكومة، وهي محطة ستحاول من خلالها دفع حركة حماس الاقتراب من مربعها السياسي، مقابل مساحة من الشراكة المحدودة بسقف مقبول لدى دول الإقليم الأساسية والمجتمع الدولي، خصوصا الإدارة الامريكية.
في المقابل ترى حماس في الحوار الوطني فرصة لتشكيل جبهة وطنية، تضم أوسع تمثيل فصائلي، يفرض رؤيته على تيار التسوية السياسية، وينهي حالة الاحتكار للقرار الفلسطيني، كذلك ستسعى حماس عبر الحوار انتزاع مواقف واثمان من السلطة وحركة فتح، توسع هامش المناورة أمامها من خلال تخفيف اعباءها، سواء تلك المثقلة بقبضة حديدية في الضفة الغربية والمتماهية مع الاحتلال ضمن سياسة قص العشب، الى جانب تفكيك حلقات أوسع من الحصار على غزة، تتيح للحركة التفرغ لتركيز جهودها على تعزيز جهود وبنية المقاومة.
اما باقي القوى والفصائل، فستحرص خلال الحوار على رفع قيمتها ووزنها السياسي امام الفصيلين الكبيرين (حماس فتح)، حيث ستسجل بعضها حضورا باعتبارها رقما جديدا في معادلة التمثيل والتأثير في القرار الفلسطيني، سواء من خلال المشاركة المباشرة في الانتخابات، او من خلال التوافقات والصفقات الجانبية، فيما تسعى أخرى الحفاظ على وجودها بالحد الأدنى، وتجنب خطر الغياب او الانزواء، نتيجة متغيرات الهندسة السياسية للخريطة الوطنية الفلسطينية.
اليات تطبيق الاجندات الخفية لن تظهر في اللقاءات الجماعية على طاولة الحوار، لكنها سوف تطبخ على نار هادئة في اللقاءات الثنائية داخل الغرف الفندقية، اما في قاعة الاجتماعات الكبرى سيتم استعراض مواقف تصل الى اذن الاعلام، او تعكس نتائج تلك الثنائيات.
وامام هذه الاجندات لمختلف الأطراف، فان مخرجات الحوار الوطني قد تترك ملفات عالقة دون حسم، او ربما تتعمد العديد من الأطراف الراعية او المشاركة في الحوار، ترحيل بعضها، لإبقاء خطوط انسحاب قائمة، وفرص للتراجع إذا لم تتمكن من تنفيذ أي من اجندتها الخفية.