الذهب ضد التضخم، الذهب ملاذ آمن، الذهب مخزن للقيمة.. قواعد توارثتها الأجيال في مجال الاستثمار الآمن؛ لكن هل استحقت المعادن والذهب هذه القواعد، هل هناك نسبة مخاطر بالاستثمار في المعادن؟ هل الاستثمار في الذهب مرهون لرؤوس الأموال الكبيرة فقط؟ أسئلة عدة حاولت الجزيرة نت الوصول إلى إجاباتها.
مع ظهور فيروس كورونا قبل عام وما تبعه من تقلبات اقتصادية ضخمة أثرت على اقتصادات العالم، لجأ كثيرون إلى الاستثمار في مجال الذهب والمعادن باعتباره في مأمن من تلك التقلبات؛ مما رفع سعر الأونصة من 1450 دولارا في فبراير/شباط 2020 إلى 2074 دولارا في أغسطس/آب من العام نفسه.
ويرى الخبير في مجال الذهب والمعادن، رجب حامد، أن التقلبات الكبيرة التي شهدتها الأسواق العالمية، أدت إلى ذهاب سيولة كبيرة إلى التجارة في الذهب باعتبارها الملاذ الآمن للاستثمار، وساهم في ذلك الارتفاع الكبير، الذي شهدته المعادن بشكل عام خلال العامين الماضيين، معتبرا أن كورونا وحدها لم تكن السبب الرئيس لاتجاه رؤوس الأموال إلى الذهب؛ بل التذبذب في أسعار الفائدة الأميركية وارتفاع نسب التضخم والأزمة بين الولايات المتحدة والصين.
وقدم الخبير في حوار مع الجزيرة نت، العديد من النصائح للراغبين في دخول مجال الاستثمار في الذهب والمعادن، مستعرضا تاريخ تلك التجارة وأهميتها وقوتها باعتبارها أقوى السلع في البورصات العالمية، وفيما يلي نص الحوار.
ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدمها للشخص المقدم على الاستثمار في المعادن والذهب؟
نصيحتي عدم التردد والبدء فورا، بدون النظر لعملية صعود وهبوط الأسعار، خاصة إذا كان الشخص ينظر على المدى البعيد، وعلى سبيل المثال، من استثمر في المعادن بداية عام 2019 كانت الأونصة 1490 دولارا، ومن اشترى بداية 2018 كانت 1280 دولارا، وحاليا الأونصة فوق 1850، ومن المتوقع أن تصل الأونصة خلال عام إلى 1950؛ لكن على المقدم على الاستثمار في الذهب البدء بكميات متدرجة حتى يفهم السوق وأسسه، ويحدد هدفه الذي يرغب في تحقيقه.
هل هناك مخاطر بالاستثمار في المعادن؟
الفكرة القديمة أن الذهب استثمار ثقيل بعوائد قليلة، وهو قليل المخاطر أو معدوم المخاطر؛ لكن هناك عامليْن في حال الاهتمام بهما تكون المخاطر صفر، النقطة الأولى أن تكون المشتريات هي الذهب الفعلي يدا بيد، وأن يشتري المستثمر بالإمكانيات المتوفرة لديه حاليا، وعدم اللجوء إلى الاقتراض؛ لأن الذهب والمعادن حتى لو انخفضت قيمتها في وقت ما، فإنها تعاود الصعود مرة أخرى ما يجعلها الأكثر أمانا في مجال الاستثمار على الإطلاق.
ما هي المؤشرات التي تدل على أن الذهب سيكون في صعود خلال فترة مقبلة؟
المؤشرات الدالة على أن الذهب في صعود يمكن استنتاجها من ذاكرة الصعود والهبوط للذهب من 2011 حتى الآن، فقبل 10 سنوات كان الحديث مثلا عن 200 دولار للأونصة، وصلنا في أغسطس/آب الماضي إلى 2074 دولارا، فالقاعدة هنا معروفة طالما يوجد معدن قليل العرض نتيجة صعوبة الحصول عليه من المناجم، وارتفاع التكاليف، وزيادة الطلب، وقلة العرض مع عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وعدم وجود رؤية واضحة لقيمة الدولار المنافس للذهب، واستمرار عملية التحفيز في الولايات المتحدة، واستمرار مخاوف كوفيد-19، فمن المسلمات أن الذهب والمعادن سيكونان في صعود، خصوصا في ظل توقعات بانخفاض أسعار الدولار وارتفاع نسب التضخم.
نسمع عن الارتباط العكسي بين أسعار النفط وأسعار الذهب هل هناك قاعدة اقتصادية لذلك؟
في السابق كانت هناك صورة واضحة، حيث كانت علاقة الدولار بالذهب عكسية، فكلما ارتفع الدولار قلت أسعار الذهب وكذلك العكس، والعلاقة مع النفط كانت طردية، نحن نعلم أن هناك بورصة عالمية بها سيولة كبيرة، والسيولة دائما تذهب إلى الأقوى، فإذا رأيت مؤشرات صعود للنفط أو الدولار، فالمستثمرون سيذهبون إلى الأقوى بأن يتركوا الذهب، ويستثمروا في النفط والدولار والعكس، هذه علاقات تحدث بنسبة كبيرة، وغالبا ما يكسر الذهب كل القواعد في عملية الصعود، وعندما توجد أي مخاوف سياسية أو اقتصادية يذهب الجميع إلى الذهب.
الاستثمار في الذهب والمعادن غالبا ما يرتبط بامتلاك رؤوس أموال كبيرة، هل يمكن لأصحاب الدخل المتوسط الاستثمار فيهما؟ وهل ستكون مجزية رغم عدم المقدرة على ادخار كميات كبيرة؟
قديما كانت هذه القاعدة صحيحة، عندما كان هناك اقتران بين الاستثمار في الذهب بالكيلو، وهذه وحدة كبيرة للغاية بالنسبة لصغار المستثمرين، فالكيلو يصل سعره إلى 65 ألف دولار، فكان الشخص إذا طلب نصف أو ربع كيلو، كان من الصعب الحصول عليه؛ لكن الآن الأمور اختلفت كثيرا، فيمكن أن تصل وحدة البيع إلى غرام واحد أو أقل.
ومن الصعب حاليا أن تجد بيتا في العالم لا يملك ذهبا، وبدأ التجار بتنويع العرض، فإذا كان شخص يرغب في الاستثمار في الذهب، ولا يمتلك أموالا كافية، فهناك وسائل سهلة مثل الليرة الذهب والجنية الذهب والسبيكة، وتناسب كافة الإمكانيات المالية، كلما زاد رأس المال طبعا كلما زاد الربح، فضلا عن وجود شاشات شراء إسلامية، فبدلا من أن تذهب وتشتري الذهب يتم فتح حساب لدى إحدى الشركات، ويتم شراء الغرام، وعندما ترتفع أسعار الذهب يبيعه، الاستثمار في الذهب حاليا باب مفتوح وسقف مرفوع، فيستطيع الفرد الشراء بأي كمية.
هل سوق الذهب هو أيضا عرضة للتكهنات تماما كغيره من السلع؟
الذهب سلعة في البورصات، فهو يخضع لقاعدة العرض والطلب، ويتأثر بالأحوال الاقتصادية المختلفة، والتكهنات دائما ما تذهب إلى التذبذب، فإذا سألت أحدا يقول لك إن الذهب دائما في صعود على المدى الطويل؛ لكن على المدى القصير، الأمور تختلف، فيتم قياس أسعار الذهب والمعادن على المدى القصير من خلال عوامل تحليلية لوضع السوق ومدى التداول ونقاط الدعم والمقاومة.
القاعدة الثابتة أن على المدى المتوسط والبعيد يكون الذهب في صعود، أما القريب فيخضع للعديد من المتغيرات؛ لكن عند دراسة السوق، وانتهاز الفرص يمكن أن يحقق الشخص أرباحا كبيرة في الاستثمار على المدى القصير، والفضة تخضع لمعايير الذهب نفسها، وإن كانت نسبة التذبذب فيها أعلى، فلو كان الذهب تحرك 2% صعودا، فإن الفضة تتحرك من 4% إلى 5% صعودا.
خيارات الراغبين في الاستثمار في الذهب والمعادن محدودة فيمكنهم شراء الأصول المادية، أو صناديق الاستثمار المتداولة، أو المتاجرة بالعقود الآجلة. أي هذه الخيارات مناسبة وأكثر فاعلية؟
كل هذه الخيارات تحقق الأرباح والعوائد؛ لكن من خلال متابعتي في الفترة الأخيرة، فإن الناس تميل إلى الأصول لعدة أسباب، ففي فترة كورونا لاحظنا الناس يتجهون بقوة إلى شراء الأصول، والذهاب بها إلى منازلهم لحرية التصرف، وزاد الشراء مع ارتفاع الأسعار، فكنا نتوقع زيادة من 10% إلى 20% العام الماضي؛ لكن الذهب حقق 24% صعودا، والفضة حققت 47%، وكان صعود البلاتين حوالي 24%، والبلاديوم 90%؛ مما جعل الناس ترغب في شراء الأصول.
كما أن عدم وجود استثمارات واضحة في المنطقة يجعل الخيارات محدودة، فمن يرغب في الشراء يذهب إلى السوق المحلي ويشتري المعادن؛ لكن خلال الفترة الأخيرة بدأت الطرق المختلفة للاستثمار في الذهب بالصعود؛ بسبب زيادة الطلب، ما جعلنا نرى تنوعا في الاستثمار.
هل ساعدت أزمة كورونا على رواج الاستثمار في المعادن والذهب؟
صعود الذهب في 2019 كان بدافع تذبذب أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين؛ مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الذهب، ومن فبراير/شباط عام 2020 بدأت تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، فكانت حينها الأونصة بـ1450؛ لكنها وصلت في أغسطس/آب الماضي إلى 2074 دولارا، ومن المعروف أن الذهب عندما يصعد إلى مستويات قياسية لا يتهاوى مثل باقي البضائع؛ لكن من الممكن أن يتذبذب بعض الشيء، إلا أنه لا يرجع إلى أصله قبل الزيادة.
ظهرت مؤخرا تجارة الذهب الإلكترونية، وهي مختلفة تماما عن تجارة الذهب العادية، هل تؤيد التجارة الإلكترونية وهل بها مخاطر؟
الحاجة أم الاختراع فكلما احتجت شيئا تبدأ بتقديم الحلول، فعند صعود أزمة الرهن العقاري بدأ التفكير في الذهب، وأزمة كورونا أيضا أدت إلى تحول أعمال كبيرة إلى العمل عن بعد، وضمن إيجابيات كورونا انتعاش التجارة الإلكترونية، التي كانت موجودة؛ لكن لم تكن معروفة.
ومع هذه التداعيات والحظر في دول كثيرة، بدأت هذه التجارة تأخذ مكانها في السوق وتم استبدالها بالتجارة العادية، وظهرت الشركات التي توفر المعدن واتجهت رؤوس أموال إلى التجارة الإلكترونية، فزاد الإقبال بنسبة 200% في التداول الإلكتروني للمعادن، وفي البداية كانت هذه وسيلة مؤقتة حتى تعود التجارة إلى وضعها الطبيعي؛ ولكن بعد أن حقق الناس أرباحا كبيرة من وراء التجارة الإلكترونية في المعادن تم اعتماد هذه التجارة بغض النظر عن وجود إجراءات احترازية أو لا.
هل تجارة المعادن كالذهب تقاوم تقلبات معدلات التضخم المرتفعة باعتبارها تحافظ على قيمتها دائما؟
هناك قواعد أساسية بنيت عليها هذه التجارة، هي الذهب ضد التضخم، الذهب ملاذ آمن، الذهب مخزن للقيمة، هذه القواعد منتشرة بشدة منذ عشرات السنين، وهي قواعد فعلية، وليست شعارات، فإذا شاهدت ارتفاع الدولار وانخفاضه، وارتفاع التضخم وانخفاض القوة الشرائية للعملات؛ مما يؤكد بالفعل أن هذه الشعارات واقعية، فتحويل الثروات إلى الذهب يعني أنها في مأمن كامل وضمان الحفاظ على القوة الشرائية.
ففي تركيا مثلا الدولار كان بما يقارب 3 ليرات، وحاليا 7 ليرات، وفي مصر الدولار كان 6 جنيهات الآن في حدود 16 جنيها، وهنا يأتي التساؤل ماذا أفعل للحفاظ على ثروتي؟ الإجابة بالطبع وضعها في الذهب والمعادن؛ لأنها من الوسائل القليلة لضمان القيمة الشرائية للثروة في المستقبل.
المصدر : الجزيرة