مؤمن بسيسو
لا أحد يخاف على غزة أو ينتابه الشك في تجذّر صمودها في وجه التحديات التي تستهدف تطويعها وكسر إرادتها وإدخالها بيت الطاعة الأمريكي والإسرائيلي المفضوح.
لكن الخوف على غزة شيء، والدفع باتجاه التعاطي مع التحديات التي تواجهها بهدف امتصاص حدتها أو التخفيف من حجم الخسائر الناجمة عنها شيء آخر تماما.
لا تبدو أحاديث الناس وأهل السياسة والعسكر والمراقبين حول اقتراب عدوان وشيك منعزلة عن سياق الواقع المعاش، فالكل يدرك أن العدّ التنازلي قد بدأ انتظارا لعدوان شرس ومؤلم وذي آليات جديدة تختلف عن أشكال العدوان التي سبقتها.
هناك مؤشرات بالغة الوضوح حول اقتراب العدوان أو الضربة الوشيكة التي يتوقع البعض وقوعها الشهر المقبل، وهو عبارة عن ضربة مركزة أو حرب مصغرة محدودة تستهدف حركة حماس أساسا ولا ترقى إلى حجم وطبيعة الحرب الأخيرة بحال.
ما يعنينا اليوم ليس اجتراح الجدل العقيم حول إمكانية وقوع الضربة من عدمها، أو خوض غمار تحليلات لا متناهية حول مواقف العدو وتفسيراتها وخلفياتها ومدى علاقتها بالحرب النفسية، وغير ذلك من أمور تحرفنا عن هدفنا الأساس ومسارنا السليم.
إن كامل جهدنا ينبغي أن ينصبّ اليوم على وضع خطة عمل شاملة لمواجهة مرحلة ما قبل وما بعد العدوان، وأن تشتمل على خطوات وإجراءات عاجلة تنتظم الوضع السياسي والإعلامي والجماهيري والميداني.
إرساء وتدشين خطة طوارئ عاجلة، حكومية وحركية، ينبغي أن يشكل أول الخطوات في سياق التعاطي مع التهديد الإسرائيلي المتوقع، بحيث تستجيب لكافة الاحتياطات والمحاذير الأمنية، وتُبقي في الوقت ذاته على حجم ومستوى الخدمات الحكومية دون أي تغيير.
من الحكمة أن نتعظ بدروس الماضي، وألا ندع العدو يفاجئنا ويباغتنا على حين غرّة، فالعمل بنظام الطوارئ يجب أن يغطي مساحات واسعة من العمل الحركي والرسمي، وخصوصا في ظل المعطيات التي تتحدث عن إمكانية استهداف قيادات سياسية ودعوية ذات مستويات رفيعة دون تردد، وأن يبلغ درجته القصوى على إيقاع المؤشرات الواردة وتقديرات الموقف ومعطيات الميدان.
الخطوة الثانية التي ينبغي القيام بها تكمن في تهيئة الناس نفسيا لاستيعاب حجم ومستوى أي عدوان قادم، ووضعهم في أجواء وطنية ودينية تكرس فيهم قيم الصبر والثبات والصمود واحتمال المكاره ونوائب الأيام.
ليس من الحكمة في شيء بث جرعات قوية من الطمأنينة الزائفة في نفوس الناس بدعوى أن تهديدات الاحتلال تدور فقط في إطار الحرب النفسية، فيما ماكنة التحضيرات الإسرائيلية للعدوان تجري على قدم وساق.
في القول بضرورة عدم إخافة الناس من أمر لا زال طيّ الغيب، وخصوصا في ظل المردودات النفسية الخطيرة التي خلفتها الحرب الأخيرة، وجاهة، لكن تعقيدات الأوضاع والرغبة في إبعاد الناس عن دائرة الصدمة مجددا، تحتّم صوغ مقاربة تعبوية متوازنة تركز على تهيئة أفئدة الناس عبر تغذيتهم بمعاني وقيم الصبر والصمود بعيدا عن التضخيم والتهويل.
فوق ذلك، فإن استثمار البعد الجماهيري في التصدي لمخططات العدوان الاحتلالية يجب أن يحتل أولوية رئيسية ضمن أجندة العمل الراهنة في قطاع غزة.
من الأهمية بمكان البدء في وضع جدول منظم لتسيير التظاهرات الشعبية، ورسم تصور متكامل لفعاليات مجتمعية ومؤسساتية تستند إلى العمق الجماهيري، ما قد يسهم في إحداث حراك جدي باتجاه فضخ النوايا والمخططات الإسرائيلية التي تتربص بغزة وأهلها الصامدين.
وللحديث بقية.