ناقش الباحث أحمد يونس محمد حمودة أطروحة الدكتوراة التي جاءت تحت عنوان "المؤسّسات الإعلاميّة الفلسطينيّة وصحافة المواطن زمن الأزمات: أيُّ علاقة؟ والتي جرى نقاشها في قاعة الأطروحات بمعهد الصّحافة وعلوم الإخبار بجامعة منوبة في تونس، وبعد النقاش العلني لأطروحته، خلت لجنة المناقشة العلميّة إلى منح الباحث الفلسطيني شهادة الدّكتوراه في علوم الإعلام والاتصال بتقدير مشرّف جدًا.
ولتحقيق الهدف الرئيسي قسّم الباحث بنية أطروحته إلى الآتي: مقدّمة عامّة وضعت الإطار العام للدّراسة وأهميتها بابٌ أول موضوعه الإطار المنهجي والنظري للبحث ويتشكّل هذا الباب من ثلاث فصول، الفصل الأوّل تناول الإطار المنهجي وانطلق من تحديد هام للإشكالية، والفصل الثّاني اهتم بالإطار النظري والفصل الثّالث تناول الإطار المعرفي بالبحث والدرس حول ولادة صحافة المواطن وتطورها في عصر الميديا الاجتماعية. بابٌ ثانٍ أبرز بشكل خاص نتائج المقابلات المعمّقة مع مدراء المؤسّسات الإعلامية الفلسطينية انطلق منها في التحليل، وعمل الباحث على تأثيث هذا الباب بتقديم عدّة أمثلة عالمية من خلال مراجعة الأدبيات والاستشهاد بنتائج الدراسة الميدانية التي قام بها. وكان موضوعه الصحافة التقليدية وصحافة المواطن بفلسطين: من التنافس إلى التكامل وينقسم إلى ثلاثة فصول، الفصل الأوّل عنوانه صحافة المواطن في فلسطين سلطةٌ خامسة منافسة للسلطة الرابعة، فصل ثاني تناول بالبحث والتحليل التكامل بين الإعلام التقليدي وصحافة المواطن بفلسطين في عصر اندماج وسائل الإعلام، أمّا الفصل الثّالث فقد تحدث في الضّوابط الأخلاقية لصحافة المواطن في ظل غياب مدونات السلوك.
وتضمنت الأطروحة خاتمة عامة أعادت التذكير بالبنية العامة للأطروحة والتمشّي المنهجي في بلورة الإشكالية ومعالجة الفرضيات واهم الاستنتاجات التي انتهت إليها من خلال مناقشة فرضيات البحث والأفق العلمية التي يمكن أن تفتحها الأطروحة. وبعد إخضاع مادة العينة للتحليل والدّراسة، تمكّن الباحث من الوصول إلى أبرز النتائج التّالية: 1. ساهمت صحافة المواطن في إيجاد أنماط اتصالية جديدة للجمهور تقوم على التفاعل الحر والمباشر، والمتابعة المستمرة للحدث، إذ أنّها وسعت مساحة تغطية الأحداث ونوّعتها لتشمل كل فلسطين.
وأضحت فاعلًا في اتساع نطاق حرية التعبير في وسائل الإعلام التقليدية مما جعلها تشكّل منافسا قويا لوسائل الإعلام التقليدية. 2. أثّرت صحافة المواطن على المهارات المهنية للصحفيين بالتفاعل مع الرقمية التكنولوجية ودفعِهم إلى تغيير تعاملهم وممارساتهم الإعلامية مع احترام إعطاء الكلمة للمواطن.
وشجّعت على المزيد من الجرأة لدى الصحفيين، وأوجدت المنافسة الإيجابية بينهم على مستوى جودة المادة الإعلامية.
أضف إلى ذلك أنّها ساهمت في الرفع من سقف حرية التعبير لدى الصحفي خارج المؤسّسة وداخلها. 3. شهدت البيئة الإعلامية الجديدة في فلسطين توجهاً ملحوظاً لوسائل الإعلام التقليدية نحو تبنّي المضامين التي ينتجها المواطنين الصحفيين كي يكونوا سندا مكملًا لما تبثّه وسائل الإعلام الفلسطينية. وتدلّ أمثلة كثيرة على أنّ مضامين صحافة المواطن كان لها الأثر في المساهمة في إمداد مؤسسات الإعلام الفلسطينية ومؤسسات المجتمع الدولي بمعلومات حول حقيقة تطورات الأحداث في فلسطين عن جرائم اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين والأبرياء لاسيما المتعلقة بتهويد مدينة القدس الشريف، والاعتداءات المتكررة بحقّ المصلين والأهالي في القدس، والقتل المباشر والمتعمد للمشاركين في مسيرات العودة بفلسطين. 4. تفتقر أغلب المؤسسات الإعلامية الفلسطينية إلى مدونة سلوك تختصّ بالضوابط المهنية والأخلاقية عند الاستفادة من مضامين المواطن، مما يفرض عليها وضع قواعد أخلاقية وإقرار مدونات سلوك تشمل كلّ الأطراف المشاركين في إنتاج مضامينها.
وعليه، فإنّ حقل صحافة المواطن بمواصفاته التكنولوجية والتواصلية الجديدة بات يفرض التفكير في منظومة (الأخلاقيات الصحفية المدمجة)، فضلًا عن الحاجة الملحّة لتطوير آليات التنظيم الذاتي والرصد بشراكة مع جمهور مستخدمي صحافة المواطن، وذلك انسجامًا مع مفهوم التفاعلية الذي يطبع هذه الصناعة. 5. إنّ أهم آليات التحقق من صحة المضامين التي يوفّرها المواطن الصحفي عبر الميديا الاجتماعية عند تغطية الأحداث الساخنة الواقعة زمن الأزمات في فلسطين كانت اتصال الصحفيين المهنيين بمصادرهم الخاصة وزملائهم في مناطق الأحداث الدائرة، واستشارة الفريق الصحفي المختص بالغرفة الإخبارية الذكية والمهتم بالبحث عن المعلومات عبر الميديا الاجتماعية، والتثبت منها ومعالجتها، ورصدّ ومقارنة المضامين المنشورة حول الأحداث الواقعة على صفحات الميديا الاجتماعية الأخرى ورصد تعليقات المستخدمين على الأحداث الواقعة ومراقبة نشاطهم العفوي على المنصات الاجتماعيّة، واستخدام تقنيات التحري في المضامين الرقمية Fact checking. 6. إنّ سبل النهوض بـمستقبل العلاقة بين الصحفي المهني والمواطن الصحفي يرتكز على تنظيم دورات تدريبية لتأهيل المواطنين المهتمين بالعمل الصحفي على قواعد وأخلاقيات النشر، وتدريب الصحفيين المهنيين على كيفية التعاون الإعلامي مع المواطن الصحفي من أجل رفع جودة العمل الصحفي. وإدراج منهاج دراسي لطلبة الجامعات الفلسطينية حول صحافة المواطن، وتعديل القوانين والتشريعات الإعلامية الفلسطينية لمواكبة التطورات الرقمية، وتشكيل لجنة فرعية خاصة بمستخدمي صحافة المواطن صلب المؤسسات الإعلامية الفلسطينية.
وبناءً على كل ما تقدّم بيّن الباحث حمودة أنّ موضوع صحافة المواطن يحتاج إلى تراكم البحوث حول العلاقة بينها وبين الإعلام التقليديّ في أشكال متعدّدة مثل إستراتيجية صحافة التحري (في سياق التّكامل واندماج وسائل الإعلام) ، واستحداث اختصاصات جديدة على غرار "المواطن الاستقصائي" أو "المواطن المُبلغ" وإدراج قوانين عصرية تواكب التطوّرات وتكفل حماية المواطن من الجرائم الإلكترونية، وتدعّم مبادئ المواطنة الرقمية لمستخدمي الميديا الاجتماعيّة. وذلك من أجل فهم وتفهم ما أحدثته التكنولوجيات الرقميّة، خصوصًا وأنّنا نمر بفتراتٍ قوية من التحّولات العميقة على مستوى القيم الثقافية والإخبارية.