بعد 67 عاما من العطاء في العمل الصحي والمقاومة، توفي القائد أكرم الخروبي الذي عاش جنديا في الخفاء، فهو صاحب شخصية فريدة جمعت بين العلم والمقاومة، ودفع ثمنا لذلك 10 سنوات من عمره قضاها داخل سجون الاحتلال بتهمة المقاومة.
بداية اعتقاله مكث في التحقيق قرابة الثلاثة أشهر تعرض خلالها لكل أنواع التعذيب، حتى أعلن الاحتلال أنه ألقى القبض على رئيس المكتب الإداري لحركة "حماس" في الضفة الغربية أكرم الخروبي.
ويعتبر الفقيد من أهم قياديي حركة حماس في القدس، فهو قامة علمية وإدارية وشخصية إسلامية مرموقة، ويعد نموذجا أكاديميا متميزا من الطراز المهني الذي أحبه الطلاب.
داخل المعتقل استغل وقته وكان له الفضل في مساعدة عدد من الأسرى في إعداد رسائلهم للدكتوراه.
ويحمل الخروبي أعلى الدرجات العلمية حيث ذهب منتصف التسعينات إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته بتخصص الكيمياء الحيوية وعاد إلى بلده لينفع ابناءها، فشغل عدة مناصب منها تدريسه لمادة الكيمياء لطلبة الطب، وعمل عميدا لكلية المهن الطبية في جامعة القدس.
ورغم معاناته مع آلام السرطان في آخر أيامه، إلا أنه كان مصدرا للرأي والحكمة لطلبته، ولم يتغيب عن أداء مهامه خاصة وأنه كان يرفع شعار "مواجهة الاحتلال والمرض معا".
وبمجرد الإعلان عن خبر وفاته، قدم محبوه التعازي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب جائحة كورونا وحالة الطوارئ في الضفة المحتلة، لكن ما كان واضحا هو اجماع محبة الناس لشخص الخروبي فجميع الاطياف السياسية نعته لما له من فضل كبير في دعم القضية الفلسطينية والمقاومة وكذلك التفاني في عمله بالمجال الصحي.
بدورها، تقدمت حركة حماس بالتعزية من عائلة وتلاميذ ومحبي القيادي البروفيسور الخروبي في بيان لها وقالت: "كان حتى آخر أيامه حضنا دافئا لإخوانه وتلاميذه ومصدرا للرأي والحكمة، ولم يمنعه المرض من أداء مهامه، رافعا شعار مواجهة الاحتلال والمرض معا.
وتستذكر حماس فضله وعظيم أثره على المقاومة ورجالها وشبانها، وعلى طلبة الجامعات وخاصةً الأسرى منهم، مؤكدةً أن رحيله يمثل خسارةً قيمة لا يمكن تعويضها في مسار الحركة التاريخي.
ويروي الكاتب وليد الهودلي عن حياة الخروبي في السجن فيقول: "ينزل إلى ملعب كرة السلة في سجن عسقلان ليلعب مع الشباب وكأنه ينزل في مختبر الجامعة ليحاضر أمام طلبة الطبّ، يبتسم لأهوال حبسة طويلة قطعته عن حياته الأكاديمية بصورة قاسية، كما يبتسم لمرض السرطان الذي انتشر بجحافل جيشه الشرس في صدره."
وعن عقليته الفذة وقدرته على القيادة يستذكر الهودلي موقف الراحل الخروبي إبان إضراب الأسرى عام 2000، فيضيف: "تمكّن الدكتور مع قيادة السجون حينها من فرض زيارة خاصة لسجن هدريم والاجتماع مع قيادة السجن الفصائلية، والاتفاق على إنهاء الإضراب وعلى تحقيق أغلب مطالب المضربين. فكان لنهج التفكير العملي الذي يسلك سبله الدكتور الأثر الكبير في إنجاح تلك الإرادة القوية التي تتسلح بقوة المبدأ والحنكة السياسية وإدارة المعركة."
أما عن أدواره خارج السجون يذكر الشيخ ماجد حسن، أن الدكتور كان من ضمن المؤسسين الأوائل للعمل الإسلامي الفلسطيني على مستوى أمريكا الشمالية، وكان ضمن الأنوية الأولى لحركة حماس في أمريكا، كما تميز في حصوله على درجة البروفيسور من جامعته.
وسرد الكثير من طلبته ومعارفه المواقف التي عايشوها معه، ونشر علاء الريماوي وهو كاتب صحافي على صفحته الفيسبوك: "اتصل بي الدكتور أكرم قبل ٨ أشهر طالبا مني الحضور لبيته على عجل، ذهبت وإذ به يحمل صرة بيده، ثم قال: لقد اصاب اخي فلانا الكرب هذا نصف راتبي الذي يزيد عن حاجتي قسمته بيني وبينه، في كل شهر تعال وخذ النصف".
وتابع الريماوي: "قلت ان الشاب الذي تحدثت عنه تكفله فاعلو الخير فأبق مالك للعلاج فأقسم ان لا يرده".
غادر العلامة الخروبي الحياة بصمت كما عاش بصمت، لكنه ترك بصمته في كل شخص قابله أو مكان عمل به.