فاز يحيى السنوار بقيادة حركة حماس لدورة جديدة، وغالبًا فإنه قرأ النتائج جيدًا وحدد مسارات العمل، وأميل هنا إلى التفريق بين الطموح وغيره من المفاهيم، لكن حتى ذلك يظل محدودًا بسقفه، كما أدعم النظر إلى نصف الصورة الأهم منه، المفعم بالرؤية والاستراتيجية التي توجِد فيه الاندفاع والتفويض وتحقيق الاختراقات، والخطأ أحيانًا.
استعرض كثيرون الملفات المهمة على طاولته، ومنهم من وصفها بأنها ملفات قديمة، لكن إجماًلا فإن كانت هناك إضافة، فهي أن يدرك بأن الأهم من أن يتقدم بسرعة في المرحلة الجديدة، هو أن يتقدم في الاتجاه الصحيح.
يقع ذلك على عاتق المؤسسة معه بدرجة أساسية، وعليها تعود المسؤولية، لكن يظل للقائد مساحته التي تمنح العمل بصمته أو عنوانه، كأن يصف جنرال إسرائيلي السنوار مثلًا بأنه "من طراز مختلف"، والحقيقة أن نتائج الانتخابات تقول الأمر نفسه، وقد يكون لذلك علاقة بكون السنوار أول عسكري يتزعم المكتب السياسي لحماس.
حرصنا على متابعة ما يكتبه الإعلام الإسرائيلي تحديدًا حول هذا الفوز، ولم يكن هناك ما ينفي الصدمة الداخلية أو يعبّر عنها، حتى بدا أن الصمت موقف؛ لأن التصريح في هذه الحالة لن يخفف من أثقال الصدر لدى "إسرائيل" من صورة السنوار وإلى جواره "رجل الظل" نزار عوض الله.
إن من الواجب استدعاء هذا الموقف؛ لإدراك دقّة الحسابات بشأن الانتخابات الداخلية للحركة، وأنها تتجاوز رغباتنا حتمًا، وعدت إلى الموقف الإسرائيلي من فوز السنوار في المرّة الأولى عام 2017؛ كي نستطيع تقدير الموقف مجددًا في 2021، من مبدأ أن الماضي يجد أحيانًا طريق عودته.
من تلك التعليقات، ما نقلته صحيفة معاريف العبرية عن ضابط إسرائيلي كبير في جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، في فبراير 2017، بأن صعود السنوار إلى رأس تنظيم حماس في غزة "يثير القلق"، وأن ما يدلل على "تطرف ودافعية" السنوار حقيقة أنه لم يضيّع لحظة واحدة بعد إطلاق سراحه، وعاد للعمل بفاعلية كاملة داخل صفوف حماس.
وقبل انتخابه في 2017، اتهمه الإسرائيليون بأنه متشدد وعنيد، ويملي خطًا أكثر تشددًا على كل حماس، وبعد إعلان فوزه في الانتخابات مسؤولًا للحركة بغزة في حينه، شنّت وسائل إعلام إسرائيلية حملة كبيرة ضده بوصفه "الأكثر تطرفًا"، وتناولت كل تفصيلة ممكنة عنه، ونشرت حتى عن إلمامه باللغة العبرية، وعزز وزير الطاقة يوفال شتاينتس المخاوف الإسرائيلية بأن انتخاب السنوار لقيادة حماس "خطر للغاية بسبب طابعه الاندفاعي"، وأنه "كلما تعزّزت مكانته ازداد الخطر الذي يشكله".
وانضم رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، آفي ديختر، للمتشائمين في "إسرائيل"، ودعا إلى تعزيز القدرات لتدمير البنية التحتية لحماس، بعد وصول السنوار، ووصفه ديختر بأنه "شيخ القتلة"، ثم قال بنبرة تهديد: "خسارة أننا لم نقتل يحيى السنوار".
يدفع ذلك إلى التقدير بأن استمرار السنوار على رأس الجسم السياسي لحماس سيعزز قوة المؤسسة، بمنطق أن أي خسارة في الميزان والمنظور الإسرائيلي ينبغي أن تكون مكسبًا للمقاومة، وهذه المعادلة في هذه الحالة تحديدًا منطقية ومجرّدة وتراعي أولويات المصلحة.
كما أن انحصار المنافسة بين السياسيّ الفذ والقائد المُهاب (عوض الله والسنوار) يعكس وعي القواعد التنظيمية لحماس وإدراكها لمتطلبات المرحلة الراهنة، أو "رجال المرحلة" بعبارة أكثر دقّة، وهو ما شكّل صفقة رابحة للحركة تنبّئ بأن المقاومة في مرحلة لاحقة قد لا تقف عند النقطة التي توقفت عندها تفاهمات وقف إطلاق النار مع الاحتلال بشأن مستقبل الحالة السياسية في قطاع غزة، وهذا هو الملف الأبرز والأصعب، الذي ستعكس جودة العمل فيه، مدى الاختيار الحكيم للأسماء.