قائد الطوفان قائد الطوفان

الشهيد عاطف حنايشة.. رحيل يليق بحارس المئذنة  

الشهيد عاطف حنايشة.. رحيل يليق بحارس المئذنة  
الشهيد عاطف حنايشة.. رحيل يليق بحارس المئذنة  

غزة-رشا فرحات

 "يا شيخ عاطف".. تتوالى صرخات الأطفال، ينادون عليه وهم يدركون تماما أن حكايته قد انتهت فوق الأرض التي يعتصم لأجلها المواطنون العزل، ومنهم الشيخ عاطف حنايشة.

رصاصة واحدة، تكفي، صوبت نحو الرأس، وعم الصمت المكان، الأرض امتلأت بدم الشيخ عاطف، والأطفال يبكون، والشباب يصرخون أن لا حول ولا قوة إلا بالله.

 كل البيوت مشرعة والعيون جاحظة نحو المئذنة التي تبحث الآن عن حارسها، وحول الجسد المغطى بالدماء إلى التشريح الذي أكد أن رصاصة متفجرة فتتت عظام الجمجمة فاستشهد صاحبها على الفور.

وهناك على أبواب بيت دجن، نظمت قوات الأمن الفلسطيني جنازة عسكرية للشهيد حنايشه زف فيها من مدينة نابلس إلى مسقط رأسه في قرية بيت دجن حيث شارك المواطنون في الصلاة داخل مسجد البلدة الوحيد" مسجد موسى بن نصير" الذي كان حنايشة مؤذنه على مدار سنوات طوال.

عاش الشيخ عاطف حنايشة عمره في بلدته كحصان حر وحيد، كغيره من أحصنة الأرض الفلسطينية، متروك ليواجه كل شيء وحده أعزل، إلا من صوت الحق، يرفع الأذان في بيت دجن خمس مرات، وبين الأذان والآخر تتشبث القدم بالجذور، التي يزحف نحوها الاحتلال كوباء لا يشعر به سوى أصحاب الأرض.

منذ ثلاثة أشهر وقرية بيت دجن على صفيح ساخن بين الثورة والغضب، حيث يخرج أهلها لحماية أراضيهم الزراعية التي يسلب الاحتلال منها كل يوم شبرا لتوسيع مستوطنة "ميخوراء" المقامة على جزء من الأرض منذ عام 73.

الشهيد أب لثلاثة أطفال، في الأربعين من عمره، ولا زال لديه مشوار طويل، بين الأرض وأحلام الأبناء، لكنه كان يسعى لحلم واحد على ما يبدو، ففي ظل الاحتلال تتوحد أحلام المقاومين حينما يتفرقون بين الأسر والشهادة.

لا تبدو أمه العجوز حزينة رغم حرقة القلب، والحقيقة أنها لا تريد أن تبدو كذلك، فلأمهات الشهداء صبر مفصل على مقاسين، حزن وفرح!

ترفع صوت زغاريتها أمام باب الدار، بينما الجموع الكثيرة تحمل نعش المؤذن وتلفه بعلم فلسطين.

تركض وراءه أمه وتقول: "لقد أوصاني ألا أنوح ولا أبكي، وسأرفع الزغاريد، فما الذي تريده الأم سوى تحقيق أحلام أبنائها، وها هو ابني يحقق حلمه، وايش بدنا أحلى من هيك يمه يا عاطف"

جرب حنايشة مرارة الأسر مسبقا، عاش قصصا مختلفة من السلب والنهب لأرض ورثها أجداده، وقضى حياته يعاند الاحتلال، والاحتلال يعرف تماما أن أمثال حنايشة لا يهزمهم شيء سوى رصاصة، ولذلك قتلوه بالأمس، فكان الموت جميلا، وهادئا، رحيل يليق بحارس المئذنة.

 

البث المباشر